أيضا : أنه كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم ، ومن مقامه عليهالسلام : أنه أوتي الحجة على قومه بتوحيد الله ، ومن مقامه عليهالسلام أيضا : أنه كان مسلما ، ومن مقامه عليهالسلام أيضا : الصلاح ، ومن مقام إبراهيم عليهالسلام : أن الله آتاه أجره في الدنيا ، وأنه في الآخرة لمن الصالحين. فهذا كله من مقام إبراهيم الذي أمرنا أن نتخذه مصلى فقال : (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) أي موضع دعاء إذا صليتم فيه أن ندعو في نيل هذه المقامات التي حصلت لإبراهيم الخليل عليهالسلام. واعلم أن مكة خير وسيلة عبادية ، وأشرف منزلة جمادية ترابية ، وأنه قد طاف بهذا البيت
____________________________________
أخرى نصبهم الناس فظلموا ، وضلوا وأضلوا ، وعدلوا عن الحق ، فهؤلاء هم الذين لم ينالوا عهدي بحكم تعيينهم بالأمر بالتقدم ، ولكن نحن جعلناهم أئمة يدعون إلى النار بقضائنا لا بأمرنا ، قال تعالى : (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ) وفي هذه الآية دليل على أن إمامة الظالم لا تصح شرعا ، فإن الله قد نفى عنه الإمامة ، ويتقوى مذهب من يقول إن الإمام إذا فسق انعزل شرعا وإن تعذر خلعه ، والكلام في هذه المسألة يطول ، والوجه عندي في هذه المسألة والله أعلم ، أن الظلم هنا كما فسره رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما نزل قوله تعالى : (وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ) قالت الصحابة : [وأينا لم يلبس إيمانه بظلم؟ فقال عليهالسلام : ليس كما زعمتم ، وإنما الظلم هنا ما قاله لقمان لابنه : يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم] فهذا مثل ذلك ، وأما المسلمون وإن جاروا وظلموا فإن النبي عليهالسلام قد أمرنا أن لا نخرج أيدينا من طاعة ، فإن جاروا فلنا وعليهم ، وإن عدلوا فلنا ولهم ، وقال : أطيعوهم ما أقاموا الصلاة ، لما تكلموا في جورهم ، وقال تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) أي خيارا عدلا (لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) فقد نص الله على عدالتنا بمجرد الإيمان ، وإن كان قد علم أنه يقع منا الجور والظلم والتعدي للحدود المشروعة ، مع حفظ الإيمان بتحليل ما أحل الله ، وتحريم ما حرم الله ، فلم يخرج الله العصاة والظلمة من أهل الإيمان من الإمامة ، ولا سيما في قوله : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ) مع كونه مصطفى ، ونحن نقول إن الظالم إذا حكم بأمر فسّق فيه قد انعزل شرعا عن حكم الله في تلك النازلة ، فإنه بمعزل عن حكم الله فيها ، وهو مأثوم ، ولكن أقول إذا اتفق أن يتمكن الناس من خلع الظالم وإقامة العادل من غير ضرر فادح يصيب الناس وتهلك فيه النفوس والأموال فلهم ذلك ، وهل يجب أو لا يجب؟ فيه عندي نظر ، وأنا الآن في محل التردد في ذلك لتعارض الأدلة ، وما ترجح عندي في ذلك شيء ، واعلم أن