مائة ألف نبي وأربعة وعشرون ألف نبي سوى الأولياء ، وما من نبي ولا ولي إلا وله همة متعلقة بهذا البيت وهذا البلد الحرام ، لأنه البيت الذي اصطفاه الله على سائر البيوت وله سر الأولية في المعابد ، كما قال تعالى : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) من كل مخوف إلى غير ذلك من
____________________________________
الأئمة رجلان : إمام يقتدى به وهم الرسل ، قال تعالى : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) وسيأتي في ترجمتها في موضعها ما يتعلق بها من الحكم ، فإذا كانت الإمامة يراد بها الاقتداء ، أن يقتدى بها ، فلا تجوز الإمامة إلا لمنصوص على عصمته ، وذلك هم الرسل خاصة ، ولا خلاف بين أهل الإسلام في إمامة من جهلت عصمته أو من ليس بمعصوم ، إلا شرذمة قليلة لا يحكى قولهم ، والرجل الآخر ، إمام لا يقتدى به ، ولكن يسأل في النوازل إذا كان من أهل الذكر ، فلا بد أن يكون عالما ، بما يحكم به بين الناس ، ولا يقتدى به في أفعاله وإن كانت أفعاله مستقيمة ولكن اقتداءك إنما هو بمن اقتدى هو به وهو الشرع لا به ، فإن الكل أتباع الرسل ، فيكون نصب الإمام هنا لوجود المصالح التي يقوم بها معاشهم ليأمنوا على أنفسهم وأموالهم وأزواجهم ، فإن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن ، ثم قال : (١٢٦) (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً) يقول : نصبنا البيت بمعنى الكعبة ، مثابة للناس يحجون إليه في كل عام بجد وعزم ومحبة تؤديهم إلى أن يثوبوا إلى قصده من جميع البلاد بسرعة ، من الوثب ، وإن تناءت بلادهم وهلكت في قصده أموالهم ، فإن ذلك يهون عليهم ولا يبطئ بهم عن قصده لما جعل الله في نفوسهم من محبته ، فهوّن عليهم الشدائد في طريقه ، وهي بشارة من الله لعبده إذ أوجد في قلبه تهوين الشدائد ، من بذل المال وتعب البدن ومفارقة الأهل والوطن في طلب قصده والوصول إليه ، أنه مؤمن ممن اعتنى الله به ، وإن وجد غير ذلك فليعزّ نفسه ، فإن الله قد سلب عنه الإيمان وهذا من سر الله في قلوب العباد ، وهو من قوله : (فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ) وأية آية أعظم من هذا ، وقوله : (وَأَمْناً) أي جعل في قلوبهم أن يشرعوا الأمان لكل من دخله ولاذ به ، جعل ذلك في قلوب المشركين وغيرهم ، قال الله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً) فنسب ذلك الجعل إليه وأطبق قلوب الكفار على ذلك ، ثم قال : (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) على الأمر إذا كسرت الخاء ، وعلى الخبر إذا فتحتها ، وقد يرد الخبر ويراد به الأمر ، فمن جعله خبرا يقول : جعلنا في قلوبهم أن يتخذوه موضعا للدعاء فاتخذوه ، فأخبر أنهم اتخذوه ، ومن جعله أمرا جعل اتخاذه مشروعا على جهة الندب لا على الوجوب ، واختلف الناس في هذه الآية في «المقام» ما المراد به؟ وفي كيفية اتخاذه مصلى ، وما معنى «مصلى» فأما المقام فلا خلاف أن الحجر الذي قام