الآيات (وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ) أمر إبراهيم وإسماعيل بتطهير البيت للطائفين عناية بمحمد صلىاللهعليهوسلم ، سيد المرسلين ، فأكرمهما ببناء البيت وتطهيره إنما كان لكونهما حملا النبي صلىاللهعليهوسلم في ظهورهما ، واختص إسماعيل دون بنيه بذلك وبالإبتلا لكونه كان من آباء النبي عليهالسلام ، قال «أنا ابن الذبيحين» وإنما كانت الفضيلة لهما في البيت لكونهما طهراه وبنياه عن أمر إلهي فقال تعالى : (أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ) في بيت خاص نسبة إذ كان بيت الله بلا واسطة منذ خلق الدنيا ما جرت عليه يد مخلوق ، والطائفون كالحافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم ، والبيت في الأرض كالعرش المنسوب إلى استواء الرحمن (وَالْعاكِفِينَ) الاعتكاف : الإقامة بمكان مخصوص ، وفي الشرع على عمل مخصوص ، بحال مخصوص على نية القربة إلى الله جل جلاله وهو مندوب إليه شرعا واجب بالنذر. وللمعتكف أن يفعل جميع أفعال البر التي لا تخرجه عن الموضع الذي أقام فيه ، فإن خرج فليس بمعتكف ، ولا يثبت عندي فيه الاشتراط.
____________________________________
عليه إبراهيم حين بنى البيت ودعا الناس بالحج إليه الذي هو اليوم في البيت يتبرك به لموضع أقدامه فيه أنه مقام إبراهيم ، واختلفوا فيما سوى ذلك في المذكور في هذه الآية ، فأعمها قولا مناسك الحج كلها في الحل والحرم ، وأخصها ما ذكرناه ، وما بين هذين القولين أقوال كثيرة في تعيين بعض الأماكن من الحرم ، وأما قوله : (مُصَلًّى) فقد يريد به مدّعى ، أن يدعو الناس فيه ، وقد يريد به الصلاة المعلومة في الشرع ، وقد يريد الأمرين وهو الأوجه إذ لا تناقض في ذلك ، وأما كيفية اتخاذه مصلى فليس بعد شرح رسول الله صلىاللهعليهوسلم في ذلك شرح ، وينبغي الوقوف عنده ، فإنه أعلم بمعنى ما أنزل الله عليه ، وذلك أنه صح عنه صلىاللهعليهوسلم أنه لما فرغ من الطواف صلى خلف المقام وجعل المقام الذي هو الحجر بينه وبين القبلة ، وصلى وتلا (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) وليس بعد هذا البيان بيان ، ومن خالف بعد هذا البيان فما اقتدى ، ثم قال : (وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) أي أمرناهم حتما جزما ، وشرك إسماعيل مع إبراهيم في ذلك العهد لما فيه من الشرف والرفعة حيث أهلهما لتطهير بيت أضافه إليه ، وجعله مقصدا لعباده إلى يوم القيامة من ملك وجن وإنس ، والإنسان مجبول أن يحب لابنه من الخير أكثر مما يحب لنفسه ، فأكرم الله إبراهيم بأن يشرك ابنه معه في ذلك ، ووجه آخر ، وذلك أن يكون لمحمد عليهالسلام نصيب من هذا التشريف حيث كان انتقل إلى إسماعيل من إبراهيم ، فشرف الوالد لشرف الولد ، لأنه حامله في ذلك الوقت ، لأنه كان يتردد في الأصلاب منحدرا