(وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (١٢٦)
دعا إبراهيم عليهالسلام لمكة بالبركات ، فإنه إذا بورك في الأم بورك في البنات.
____________________________________
في ارتقاء وتطهير ، وأحسن بيت رأيته ورويته أن يليق برسول الله صلىاللهعليهوسلم قول بعضهم : [تخيرك الله من آدم ... فما زلت منحدرا ترتقي] فأمرهما الله أن يطهراه من الأقذار المحسوسة كما صب النبي عليهالسلام الماء على بول الأعرابي ، وبيّن أن المساجد لا تصلح لشيء من هذا ، وغير المحسوسة أيضا ، وهو تطهيره من هجر القول وسوئه وجعل الأوثان فيه والأصنام ودخول المشركين فيه ، وجميع ما يقع عليه اسم تطهير شرعا وعرفا ، مطلقا من غير تخصيص ، فإنه سبحانه ما خصص لنا ، وقوله : (لِلطَّائِفِينَ) الذين يطوفون بهذا البيت من جميع أصناف الطائفين ، ثم قال : (وَالْعاكِفِينَ) يريد المقيمين فيه من المجاورين ومن أهله ، وأرجو إن شاء الله أن يكون أجرهم أجر المعتكف الاعتكاف المشروع ، ولا سيما على مذهب بعضهم حيث جوز للمعتكف في غير المسجد مباشرة النساء ، وقد يستروح من هذا أنه من أراد الاعتكاف في نفس البيت لا يمنع ، وأن المعتكف في الحرم أي المقيم فيه من غير طواف ولا صلوة أنه في عبادة بمجرد الإقامة ، وقوله : (وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) يريد المصلين والساجدين في التلاوة ، والراكعين الخاضعين وإن لم يكونوا مصلين إذ الركوع الخضوع ، ثم قال : (١٢٧) (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً) لما أخبر الله تعالى نبيه إبراهيم أن الله جعل بيته أمنا لمن عاد به وجاوره ، دعا إبراهيم ربه أن يجعل البيت أيضا آمنا في نفسه من تسليط الجبابرة عليه بالهدم والتخريب لغير المصلحة وعدم الاحترام ، فما زال محترما عند كل جبار ، ومن قصده لانتهاك حرمته وهدمه فإنه لا يقدر على ذلك ، كأصحاب الفيل وغيرهم ، حتى يأتي وعد الله عند قرب الساعة فيسلط عليه الأحابشة ، وأما الحجاج فما قصد إلا عبد الله بن الزبير بتأويل رآه ، ونحن إنما تكلمنا فيمن قصده لعينه الذي دعا فيه إبراهيم ، وقوله : (وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ) لما رآه واديا غير ذي زرع ، فهو تجبى إليه ثمرات كل شيء من أداني القرى وأقاصيها رزقا من عند الله لدعوة إبراهيم ، وقوله : (مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) أدبا مع الله حيث قال له من قبل لما سأله فقال : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ