(إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) (١٣١)
الإسلام : أن يكون العبد منقادا إلى الله عند كل دعاء يدعوه إليه من غير توقف. (لِرَبِّ الْعالَمِينَ) اعلم أن الربوبية نعت إضافي لا ينفرد به أحد المتضايفين عن الآخر فهي موقوفة على اثنين ، فمالك بلا ملك لا يكون وجودا وتقديرا ، ومليك بلا ملك لا يكون ، كذلك الرب بلا مربوب ، لا يصح وجودا وتقديرا.
(وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (١٣٢)
أي في حال حياتهم ، أي اثبتوا على حالكم الذي ارتضاه الدين لكم في المستقبل ، فأمرهم بالإسلام في المستقبل أي بالثبوت عليه.
____________________________________
أنه في هذه الزمرة التي بهذه الصفة يحشر يوم القيامة ، ثم قال : (١٣٢) (إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) العامل في (إِذْ) اصطفيناه ، يقول : إن اصطفاءه في وقت أن قال له أسلم لما رأى الشمس آفلة قال : (يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) «قال له ربه يا إبراهيم أسلم» بما ألقى إليه من النداء في سره ، أو بملك أرسله إليه مبلغا قول ربه له أسلم ، قال : (أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ)(إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) الآية ، وقال فيها : (وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ) وسيأتي إن شاء الله الكلام عليها في موضعها ومعنى (أَسْلِمْ) اخضع لي منقادا ، قال من غير توقف : (أَسْلَمْتُ) أي انقدت وخضعت (لِرَبِّ الْعالَمِينَ) أي سيد العالم ومصلحهم ومالكهم ، وقد مضى تفسيره في الفاتحة ، ثم قال : (١٣٣) (وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ) الضمير في (بِها) يعود على ملة إبراهيم ، يقول : وصى بها إبراهيم عليهالسلام أولاده ، وكذلك يعقوب أيضا وصى بها أولاده ، فقال لهم : (يا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ) أن يا بني فحذف أن ، والعامل فيها وصى لأنه في معنى القول ، ولو ظهر القول هنا في موضع وصى لم يصلح أن يكون هناك حرف أن ، فقولهم إن أن محذوفة لأن وصى في معنى القول ، ولو كان القول لم يحسن وجودها تخبيط ، والأولى أنه هكذا نطقت العرب ، فهي لغة محكية ، ودعوى الحذف فيها قول بلا برهان ، وقوله : (يا بَنِيَّ) إلى آخر الآية تفسير الوصية ،