(وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلاَّ مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) (١٣٠)
إلى الهوى يرجع السفه ، ودع عنك كلام من موّه. العقل عن السفاهة منزه ، وما هو بعاقل حتى يتنبه (وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) الصلاح أشرف مقام يصل إليه العبد ، ويتصف به في الدنيا والآخرة ، فإن الصلاح صفة امتن الله بها على من وصفه بها من خاصته ، وهي صفة يسأل نيلها كل نبي ورسول ، والصلاح صفة ملكية روحانية ، فإن رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول فيها : إذا قال العبد في التشهد «السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين» أصابت كل عبد صالح لله في السماء والأرض.
____________________________________
يعرفوا ما كتب لهم في الصحف المنزلة ، «والحكمة» أن يضعوا العبادات التي كلفتهم مواضعها ، ويرتبوها كما شرعتها زمانا وحالا ومكانا وقولا وفعلا وعقدا ، فإن الحكيم هو الذي يضع الأشياء مواضعها ، قال : (وَيُزَكِّيهِمْ) أي يطهرهم ويكثر الخير لهم ، قال تعالى : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها) ثم قال : (إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ) الذي لا تغالب ولا يمتنع عليك شيء فإنه يقول : لا راد لأمره ، ثم نعته ب (الْحَكِيمُ) تسليما له في فعله لعلمه بالأمور ، فإن اقتضت حكمته سبحانه فيما دعاه به خليله أجابه ، وإن لم يكن فالأمر إليه ، فهو سبحانه أعلم بمصالح عباده ، ولا سيما وقد تقدم له عليهالسلام قوله : (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) في سؤاله الأول في الإمامة لذريته ، ثم قال : (١٣١) (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ) يقال : رغبت عن كذا إذا زهدت فيه ، والله تعالى يقول : (اتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) فقال : (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ) عن الدين الحنيفي الذي هو الإسلام إلا سفيه في نفسه ، أي سخيف ضعيف الرأي والعقل ، ليس عنده رشد ، والسفه في اللسان الخفة ، والضمير في نفسه يعود على من سفه نفسه في موضع رفع ، وانتصب على التمييز ، كقوله غبن رأيه ، أي غبن رأيا ، وسفه نفسا ، والمعنى في ذلك واضح ، وقوله : (وَلَقَدِ اصْطَفَيْناهُ فِي الدُّنْيا) وقد علمتم أنا اصطفيناه أي صفيناه من الصفوة واجتبيناه واخترناه للخلة والإمامة في الدنيا (وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) أي من الذين أدوا حقوق الله على التمام والكمال من غير أن يتخللها ما يفسدها ، المعنى