من عند الله ، في الإيمان به ـ لا بالعمل بالحكم ـ ، فالشرائع كلها أنوار ، وشرع محمد صلىاللهعليهوسلم بين هذه الأنوار كنور الشمس بين أنوار الكواكب ، فإذا ظهرت الشمس خفيت أنوار
____________________________________
فإنه يستفهم بها كثيرا في الكلام المستأنف على كلام سبق ، فكأنه يقول : ما كنتم حاضرين ، فلم يبق إلا أن تعلموا ذلك من كتابكم أن يعقوب وإبراهيم كانا على اليهودية ، وأنتم تعلمون أن كتابكم ينطق بخلاف ما تزعمون ، وأنه قيل لكم : (ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) فما أوصى إبراهيم بنيه الذي يعقوب منهم ـ فإنه ولد ولده ـ إلا بالملة الحنيفية وهو دين الإسلام ، فقولكم يناقض علمكم ، وقوله : (إِذْ قالَ لِبَنِيهِ ما تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي) فأتى بما فإنها تنطلق على كل شيء بخلاف من ، فكأنه يقول : أي شيء تعبدون من بعدي؟ وأما استفهامه بنيه لعلمه بأن قلوب الخلق بيد الله يقلبها كيف يشاء ، ولعلمه بأن أولاد الأنبياء قد يخرجون عن دين آبائهم ، وقد وقع هذا كله قبل يعقوب فيمن تقدم ، فأراد أن يرى ما يصرون عليه في قلوبهم بعد موته لينقلب مسرورا إن كان خيرا في جوابهم ، وإن سمع منهم غير ذلك فيدعو الله لهم ـ ما دام حيا ـ أن يجمعهم على الإسلام ، ولهذا قال (مِنْ بَعْدِي) فإنهم في هذا الوقت على دين أبيهم ، فقالوا : (نَعْبُدُ إِلهَكَ) أي نذل له بالطاعة لأمره ونوحده (وَإِلهَ آبائِكَ إِبْراهِيمَ) تهمموا بتقديمه لما علموا من اصطفاء الله له بالخلة ، ولسنه ، ولأن ذلك مما يسر يعقوب ، وتلوه بإسماعيل ، فقالوا : (وَإِسْماعِيلَ) لأنه أسن من إسحق ، وجعلوا العم هنا أبا فإن أبا يعقوب إسحق ، وذلك أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : عم الرجل صنو أبيه ، فإن الأخوين من أب واحد كصنوان النخل (وَإِسْحاقَ) كل ذلك عطف بيان على (آبائِكَ) ثم قالوا : (إِلهاً واحِداً) لئلا يتوهم السامع الكثرة ، فهو بدل من إلهك وإله آبائك ، وقد قيل إن نصبه على الاختصاص ، أي نريد بقولنا إلهك وإله آبائك ، إلها واحدا (وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) منقادون لما يأمرنا به وينهانا عنه ، وإنما قدموا يعقوب بالذكر على آبائه لحضوره ، وللحاضر مزية على الغائب عند المخاطب ، وربما ذكروه بالقصد الأول على وجه الاقتصار عليه ، ثم إنهم لما ذكروه خطر لهم أن يذكروا آباءه ، ينبهوه أنك كما عبدت إله آبائك كذلك نحن نعبد ما كانوا يعبدون ، إذ كان شرع اسم الإسلام لإبراهيم ، (١٣٥) (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ) الآية ، تدل هذه الإشارة أن واحدا منهم قال : إنه ينتفع بانتسابه إلى آبائه الذين كانوا مع الأنبياء المتقدمين على دينهم ، فرد الله ذلك بقوله : (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ) أي انقضت مدتها وذهبت بعملها ، يقال خلى الرجل إذا صار إلى مكان ليس فيه غيره ، ومنه الخلوة والخلاء ، لانفراد الشخص فيه ، وقوله : (لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ) يؤيد من يقول إنه لا ينوب أحد عن أحد في