الكواكب واندرجت أنوارها في نور الشمس ، فكان خفاؤها نظير ما نسخ من الشرائع بشرعه صلىاللهعليهوسلم مع وجود أعيانها ، كما يتحقق وجود أنوار الكواكب ، ولهذا ألزمنا في شرعنا العام أن نؤمن بجميع الرسل ، وجميع شرائعهم أنها حق ، فلم ترجع بالنسخ باطلا ، ذلك
____________________________________
الأعمال البدنية ، ويحتج بقوله تعالى : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) وقوله : (ما كَسَبَتْ) من الخير والشر ، أي ما عملته من ذلك ، والذي أذهب إليه في هذه المسألة أن ليس للإنسان أن يطلب جزاءه إلا عن ما سعى فيه ، وليس له بطريق الجزاء إلا ما عمله ، وأما عمل غيره فلا يتعدى له من حيث هو عمل ، فإن العمل لا يتصف به إلا عامله وهو الصحيح ، وإنما الجزاء الذي عيّن الله على ذلك لعامله هو رحله يتصرف فيه كيف يشاء ، فيمسكه لنفسه ويهبه إن شاء لمن يريد ، فالذي يوهب له ذلك الثواب فليس هو له جزاء ، لأنه وصل إليه من غير عمل عمله ، ولكن من باب الهدية والمنة من صاحبه ، كالرجل يأخذ أجرة عمله فإن شاء أكلها ، وإن شاء تصدق بها ، وقد ورد في الشرع ما يؤيد قولنا ، وهذا نقول به في الخير ، وأما في الشر فلا ، فإن الشرع منع من ذلك ، قال تعالى : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) (وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها) ، ثم قال : (وَلا تُسْئَلُونَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) أيضا ولا يسألون عما كنتم تعملون (١٣٦) (وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا) ـ الآية ـ قولهم : (تَهْتَدُوا) أي تصيبوا طريق الحق ، المعنى أي يتبين لكم الحق ، إذا كنتم على اليهودية تقول اليهود ، وتقول النصارى كونوا نصارى ، وهما دينان مختلفان لأنه دين عن أهوائهم لا دين أنبيائهم ، فقال الله تعالى لنبيه : (قُلْ) لهم (بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) أي نتبع نحن وأنتم كلمة بيننا وبينكم سواء (أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً ، وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ) فهذه هي ملة إبراهيم ، وقد أخبرنا الله تعالى وهو في كتابكم أن إبراهيم ما كان يهوديا ولا نصرانيا ، ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين ، وأنتم معشر اليهود تقولون : عزير ابن الله وأنتم معشر النصارى تقولون : المسيح ابن الله ، والمسيح هو الله ، فأشركتكم ، فكيف نتبعكم وأنتم ما اتبعتم ما أنزل إليكم؟ والقرآن مما أنزل إليكم فإني رسول إليكم جميعا (١٣٧) (قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ) لما قالت اليهود لنا : (كُونُوا هُوداً) وقالت النصارى : (كونوا نصارى) قيل لنا : (قُولُوا) لهم (آمَنَّا بِاللهِ) أي بوحدانيته وبوجوده (وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا) وهو القرآن (وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ) من الصحف والوحي (وَما أُوتِيَ مُوسى) وهو التوراة (وَعِيسى) وهو الإنجيل (وَما أُوتِيَ) أعطي (النَّبِيُّونَ) الألف واللام لاستغراق الجنس. (مِنْ رَبِّهِمْ) من عند ربهم من الكتب والشرائع (لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ) كما فرقتم ، فآمنتم ببعضهم