عمل بمقتضى كل آية بقدر ما تعطيه في أي شيء نزلت رقي إليها عملا ، وما من آية إلا ولها عمل في كل شخص لمن تدبر القرآن ، وفي القيامة منابر على عدد كلمات القرآن ، ومنابر على عدد حروفه ، يرقى فيها العلماء بالله ، العاملون بما أعطاهم الله من العلم بذلك ، فيظهرون
____________________________________
الوسط هو العدل لأن الوسط هو الذي يكون بين طرفين ، ونسبته إلى كل طرف كنسبته إلى الآخر فلا يميل إلى أحد الجانبين ، وكذا ينبغي للشاهد أن يقول الحق الذي يعرفه لا على جهة الميل إلى أحد الجانبين ، وكانت هذه الأمة نسبتها إلى عزمات أمر ربها فيما كلفها كنسبتها إلى رخصه ، لأنها من أمر ربها ، وقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه] فأتى بكاف التشبيه للتساوي بين المحبتين بميله إلى كل جانب على السواء ، ولما كانت هذه الأمة ما غلت في دينها كما غلا أهل الكتاب ، فلم تفرط ولا قصرت في دينها ولا فرطت كما فرط من ترك النظر في الأدلة وقادته الشبه إلى ترك أشياء مما يجب الإيمان بها ولم تفرط في ذلك كانت أمة وسطا ، وكذا نسبتها إلى الرجاء والخوف ، فالوسط العام الذي تشترك فيه الأمة كلها ويقضي بعدالتها أنهم لم يفرقوا في إيمانهم بالرسل وما جاؤوا به بين واحد منهم ، ونسبتهم من حيث إيمانهم إلى كل واحد منهم على السواء ، ثم يعلو الوسط في الأمة خصوصا بعد خصوص بتفصيل ليس هذا موضعه إلى أن ينتهي إلى أخص وصف في نسبة ما يجري منه من خير وغير ذلك إلى الأسماء الإلهية ، ثم قال : إنه جعل هذه الأمة أمة وسطا (لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) يوم القيامة ، إذا أنكروا تبليغ أنبيائهم إليهم رسالات ربهم مع كونهم ما شاهدوهم ، ولكن الغرض حصول العلم عند الشاهد فيما يشهد به ، لا سبب حصوله ، وقد علمنا قطعا بما أنزله علينا وأخبرنا به في كتابه أن الرسل بلغت أممها ، وحكى لنا قصصهم ، وهذا السبب أقوى من أن لو شاهدناهم ، فتثبت الشهادة قطعا للخبر الصدق ، ولهذا كانت شهادة خزيمة شهادة رجلين ، يقبل وحده ، ويجوز من هذه الآية أن يشهد الشاهد إذا حصل عنده العلم الذي يقطع به ، أي وجه حصل وإن لم يشهد ذلك ولا حضره ، بخلاف الحاكم فإنه لا يحكم بعلمه ولا يأثم ، والشاهد يأثم إن لم يشهد بعلمه ، وليس للحاكم أن يسأله كيف وصل إليه هذا العلم ، إلا إذا عرف أنه لم يشهد تلك القضية المشهود فيها ، فليس له أن يقبل شهادته إلا حتى يعرف السبب ويعمل بمقتضاه عند ذلك ، وأما قوله تعالى : (وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) أي رقيبا عليكم في ذلك اليوم حتى تؤدوا الشهادة للأنبياء على أممهم ، ومنه قول عيسى عليهالسلام : [وكنت عليهم شهيدا] أي رقيبا [ما دمت فيهم] وقوله تعالى : (إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شاهِداً عَلَيْكُمْ) وقد تكون على بمعنى اللام ، فإن حروف الجر تبدل بعضها من بعض ، ويعرف ذلك بالمعنى ، قال تعالى : (وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) أي للنصب وهي