هذا النعت لجواز أن يقوم ذلك النعت بأشخاص كثيرين ، فدخلهم الاحتمال في الشخص لا في النعت. (وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) أنه الحق فيكتمونه عن مقلديهم ، وعن النبي صلىاللهعليهوسلم أنهم عرفوه أنه صاحب هذا النعت ، فقوله : (وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ) هم الذين يلبسون الحق بالباطل (لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) يقول : إن الحق أبلج لا لبس فيه ، لقوة الدلالة عليه.
____________________________________
إنه أراد المسجد لتعذر حصول العلم باستقبال البيت ، وما نحن مأمورين إلا بالاجتهاد حتى يغلب على ظننا أنا قد استقبلنا عين البيت ، وإن لم يكن في نفس الأمر على ذلك ، فما كلف الله نفسا إلا وسعها ، وعلى البعد المفرط يلزم في الحرم كله أي في استقباله ما يلزم في البيت ، فلا وجه لذلك القول ، ثم قال : (وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ) من أرض الله وأردتم الصلاة (فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) ثم قال : (وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) يعني أهل التوراة والإنجيل (لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ) يعني تحويلك إلى الكعبة وصلاتك إلى القبلتين ، فإنه مذكور في كتابهم ، وهو من جملة الأدلة على نبوتك ، ولكنهم قوم بهت قد ختم الله على قلوبهم (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ) وعيد لهم ، وشفاء صدر وراحة لرسوله وللمؤمنين ، ثم قال : وإن كانت هذه من آياتك التي ظهرت لهم وعلموا صدقها ، يقول الله له : (١٤٦) (وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ) يقول : ولئن جئتهم بجميع الآيات كلها التي تدل على صدقك (ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ) أي دينك ، ومنه القبلة المعروفة (وَما أَنْتَ بِتابِعٍ قِبْلَتَهُمْ) أي دينهم وقبلتهم أيضا ، وذلك بشرى للنبي عليهالسلام من ربه بثباته على استقبال الكعبة ، إذ في الإمكان أن يصرف إلى قبلتهم مرة أخرى كما صرف أولا ، ثم أخبر عنهم فقال : (وَما بَعْضُهُمْ بِتابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ) يعني اليهود والنصارى لا يتبع بعضهم دين بعض ولا قبلته مع اتفاقهم على مخالفتك ، ثم عرّض بهم في اتّباعهم أهواءهم ، فإنهم من الظالمين من بعد ما تبين لهم الحق ، وحذر أمته صلىاللهعليهوسلم ، والخطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم خطاب فرض وتقدير ، وقد يفرض وقوع المحال مع العلم بأنه غير واقع ، لكن يؤتى به مفروضا لما فيه من الفائدة فقال (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ) وهذه صفتهم ، وهو من قولهم : [إياك أعني فاسمعي يا جارة] ، ثم قال : (١٤٧) (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ) هذا مثل قوله : (لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً) و (مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ) وهو كل كلام له وجهان ، وجه إلى ما قبله ، ووجه إلى ما بعده ، فيجوز الوقف عليه ثم يبتدئ به ، فيجوز أن يكون (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) صفة للظالمين له وجه إلى ذلك ، يقول : (إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) فإنهم ظلموا بعد ما جاءهم العلم بما جئت به ، ويقويه قوله : (مِنْ بَعْدِ