(الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (١٤٧) وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (١٤٨)
(وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها) والعارف متصرف في كل وجهة لكونه يشاهد وجهه.
____________________________________
مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ) ثم يرجع القارئ بعد الوقوف عليه لبيان ما ذكرناه يبتدئ به فيقول : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) يعني أهل التوراة والإنجيل «يعرفونه» تحويل القبلة في كتابهم ، فالضمير يعود عليه هنا وأنه مذكور ، ومن أعاده على محمد عليهالسلام فيتكلف وله موضع آخر (كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ) لا يشكون فيه ، فإن إخبار الله لا شك فيه ، وتقليده فيما أخبر به علم ، وتقليد الرجل المرأة أن هذا الولد له لا يقوى هذه القوة ، لإمكان الخيانة والكذب الذي يجوز عليها ، والله يستحيل عليه ذلك ، وإنما قرنه بمعرفة الأبناء وإن كان يتطرق إليه الشكّ لوجهين ، وهما : أن مثل هذا من حصول الفراش ، أو إلحاق الابن به في شرعهم هو ابنه شرعا ، ولا يجوز له إنكاره ، وقد كان هذا مقررا عندهم ، وفي الجاهلية يعرف ذلك من يعرف أنكحتهم ، فبهذا القدر وقع التشبيه وإلا كان المشبه أبين من المشبه به ، والمراد زيادة البيان في التشبيه ، ثم استثنى العلماء من أهل الكتاب الذين كتموا الحق بعد علمهم من العلماء الذين ما كتموه ومن المقلدين للكاتمين والمقرين ، فأخبر عنهم بكتمانهم الحق بعد علمهم به فقال : (وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) الألف واللام للعهد ولجنس الحق ، أي كل حق يأتيهم به ، أو الحق الذي تقدم ذكره من تحويل القبلة ، لأنه قد تقدم الإخبار عنهم في ذلك في قوله في أول القصة : (وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ) ثم قال : (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) بالنصب والرفع ، فنصبه على وجهين : الوجه الواحد على البدل من الحق المكتوم ، فإنه أبين من الحق الأول بإضافته إلى الرب في قوله : (مِنْ رَبِّكَ) والثاني أن يكون مفعولا لقوله : (وَهُمْ يَعْلَمُونَ الْحَقُّ) ، ومن رفعه فعلى الابتداء (فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) في كذبهم ، ويكون (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) تفسيرا لقول الله (وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ) فهذا الحق ما هو ذلك الحق ، مع أنه عليهالسلام لا يمتري في شيء مما يخبره الله ، ولكن فيه إشارة ودليل على الأخذ بالظاهر وترك التأويل لما يتطرق إلى الكلام من الاحتمالات في التأويل ، فكأنه يقول : هو كما أخبرتك لا تأويل فيه ، كما قال : (إِنْ هُوَ إِلَّا