(وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (١٤٩)
أي من كل جهة خرجت مصليا فاستقبل المسجد الحرام ، ويجوز صلاة الفرض داخل الكعبة ، إذ لم يرد نهي في ذلك ولا منع ، وقد ورد وثبت حيثما أدركتك الصلاة فصل ،
____________________________________
ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ) أي ظاهر ما فيه لغز ولا رمز كما يكون في الشعر ، فقال : (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ) لأنه بعث بالبيان الشافي ، ووضع الشعر ليس على هذا البناء وإن كان يقع فيه البيان ، ثم قال : (١٤٩) (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها) يقول : ولكل أمة من الناس وجهة هو موليها أي جهة وقبلة يولي وجهه إليها ويستقبلها ، فمن جعل ضمير «هو» عائدا على الله يقول : أنا جعلته يولي نحوها ، وهنا وجهان الواحد : أن ذلك بقضائنا وإلهامنا إياه وإرادتنا ، والوجه الآخر قوله : (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ) فأصل نصبها قبلة كان منها على لسان الرسول الذي بعثناه لتلك الأمة ، أو يعود الضمير على الذي يولي وجهه نحو تلك الجهة ، ثم قال : (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ) أي اجروا مع الخيرات في الحلبة إلينا ، فإن الخيرات إلينا تقصد ، فإذا سابقتموها كنتم معها على طريق واحد فتوصلكم إلينا ، قال النبي عليهالسلام : [والخير كله بيديك والشر ليس إليك] والخيرات كل عمل مشروع ، ووجه آخر فاستبقوا بالخيرات إلينا أي سابقوا بما شرعنا لكم ، اركبوها مستبقين إليّ ، ووجه آخر (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ) فاستبقوا إلى الخيرات إذا رأيتموها ، فبادروا مستبقين إلى الأخذ بها ، وقوله : (أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً) موضع مخصوص للجمع فيه وزمان مخصوص ، فإنه تعالى مع عباده أينما كانوا ، قال تعالى : (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً) وهذا يؤيد أن الضمير في (هُوَ مُوَلِّيها) يعود على الله ، وإنما وقع التعريف بالإتيان لأنه من الممكنات ، فأخبر تعالى أنه واقع ، ووجه آخر تعريف للمنكرين ذلك المحيلين له بحكم جهلهم فيما غاب عنهم (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) منه إتيانهم (قَدِيرٌ) ثم عاد وقال : (١٥٠) (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) فليس هذا بمعنى الأول من كل وجه ، فإن هناك الأمر بالتولية إلى شطر المسجد الحرام من موضعه ذلك وما فيه ذلك البيان ، لأنه قد يحتمل أن يقصد من ذلك الموضع لكونه شرقا أو جنوبا ، فقال له هنا : إنما يقصد لعينه من حيث خرجت ، لا تراعي شرقا ولا غربا ولا جنوبا ولا شمالا ، وإن كان في الأول ما يدل عليه في قوله : (وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) فإن ذكره على التعيين ، وتخصيصه يعطي من البيان أكثر من