وأخبرهم بأن الله مع الصابرين عليها وعلى كل مشقة ترضي الله مما كلف عباده بها ، لأن الصبر من المقامات المشروطة بالمشقات والمكاره والشدائد المعنوية والحسية ، فجعل الصبر هنا للتطابق في قوله : (وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ) فالصلاة هنا والصبر عليها وهو الدوام والثبات وحبس النفس عليها مؤثرة في الذكر والشكر ، فالصبر هنا هو قوله : (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها) فلذلك ذكر الصبر مع الصلاة ، فكما يؤثر الصبر على الذكر والشكر في الذكر والشكر ، كذلك يؤثر في الصلاة سواء ، وتؤثر الصلاة من حيث الصبر عليها في الذكر والشكر ، ومن حيث هي صلاة ، فإن الله أمرنا بذكره وشكره ، والفاتحة تجمع الذكر والشكر ، وهي التي يقرأها المصلي في قيامه والتسبيح في ركوعه وسجوده ، وقال الله تعالى : (اسْتَعِينُوا) على ذكري وشكري (بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) فلولا ما علم الحق بأن الصلاة معينة للعبد لما أمره بها ، فإنه أنزلها منزلة نفسه ، فإن الله قال للعبد : قل : (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) يعني في عبادتك ، فجعل للعبد أن يستعين بربه ، وأمره أن يستعين في ذكره وشكره بالصلاة ، فناهيك يا ولي من حالة وصفة وحركات وفعل أنزله الحق في أعظم الأشياء وهو ذكر الله منزلة نفسه ، فكأنه من دخل في الصلاة قد التبس بالحق ، والحق هو النور ولهذا قال : [الصلاة نور] فأنزلها منزلة نفسه ، قال صلىاللهعليهوسلم : [وجعلت قرة عيني في الصلاة] وقرة عيني ما تسر به عند الرؤية والمشاهدة ، وقد أقام الحق الصبر والصلاة مقام نفسه في المعونة ، والمصلي يناجي ربه ويشاهده في قلبه ، ففي حال المناجاة والشهود لا يجرأ أحد من المخلوقات يقرب من عبد تكون حالته هذه خوفا من الله ، وهذا المصلي قليل ، ولكن نرجو أن يشفع ظاهر العبد في باطنه ، والقدر من الحضور المرعي شرعا هو من الباطن يتأيد مع الفعل الظاهر ، فيقوي على ما يقع للمصلي من الوسوسة في الصلاة ، فلا يكون لها تأثير في نقص نشأة الصلاة عناية من الله.
____________________________________
وَالصَّلاةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) لما تقدم مقالات أهل الكتاب وغيرهم مما آذوا به الله ورسوله والمؤمنين ، قال الله للمؤمنين : (اسْتَعِينُوا) على ما تجدونه في أنفسكم من الآلام لذلك وطلب الانتقام منهم ومؤاخذتهم (بِالصَّبْرِ) أي بحبس نفوسكم عن الاشتغال بهم إن الله صبور مع الصابرين ، فتخلقوا بأخلاقه مع كونه قادرا على أخذهم ، ويسمع أذاهم ويعلم في ذلك سرهم ونجواهم ، وأنتم إنما تسمعون ذلك منهم في أوقات متفرقة ، واستعينوا أيضا بالصلوة ، أي اشتغلوا