(وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ) (١٥٤)
لما تقرب الشهداء بأنفسهم إلى الله في قتال أعداء الله كانت لهم الحياة الدائمة والرزق الدائم والفرح بما أعطاهم الله ، فلا يقال في الشهداء أموات لنهي الله عن ذلك ، لأن الله أخذ بأبصار الخلق عن إدراك حياتهم ، كما أخذ بأبصارهم عن إدراك الملائكة والجن مع معرفتنا أنهم معنا حضور ، ولا نعتقد أيضا في الشهداء أنهم أموات بقوله تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ) وخبر الله صدق ، فثبتت لهم الحياة لما قصدوا القربة إلى الله بنفوسهم ، فما مات من قتله أعداء الله في سبيل الله ، فجمع الله لهم بين الحياتين ، فالمقتول في سبيل الله في معترك حرب الكفار حي يرزق ، ولذلك لا يغسل ، وإنما أمرنا بغسل الميت ، وهذا الشهيد الخاص
____________________________________
بمناجاتي والحديث معي عن ذلك ، وقصد إلى الصلاة دون سائر العبادات من الفرائض والنوافل لوجهين : الواحد أنه ما ثم عبادة تتضمن مناجاة الحق والحديث معه وأن يقول معه ، ويقول له إلا الصلاة ، فهي مشغلة للعبد عن ما سواها ، فقيل استعن بالصلوة ، فإن الصوم ليس فيه شغل بحديث مع الله ولا غيره ، ثم إن فرضه شهر في السنة ، والزكوة كذلك ، والحج مرة في العمر ، والجهاد متى ما حضر عدو ، ونوافل هذه العبادات كذلك ، إنما تكون في أزمان بعيدة ، والصلاة مستصحبة ليلا ونهارا ، فرضها ونافلتها ، وأوقات النهي إذا كان على طهارة ينتظر الصلوة فهو في صلوة ، فما أمرهم الحق إلا بما يكون لهم معونة بلا شك على ذلك ، ووجه آخر أن الصبر هنا في هذه الآية هو جهادهم وقتالهم ، أي احبسوا نفوسكم على قتالهم والفتك فيهم ، فإن الله معكم مؤيد وناصر ، وهو الأظهر ، فإنه سبحانه أردف هذه الوصية بقوله : (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ) وهو الأوجه في تفسير الصبر هنا على الجهاد ، ولما كان القتال مشغلا عن الصلاة ، أوصى بالصلاة ، أي أنّ الاشتغال بها أمام العدو مع احتداد القتال على معاينة منهم لذلك ، إرهاب في قلوبهم ، ليعلموا أن في مقابلتهم رجالا لا يشغلهم خوف هجوم عدوهم عليهم في حال صلاتهم عن صلاتهم ، وأيضا يقول لهم الله : لما أمرتكم بالصبر الذي هو حبس النفس على قتال الأعداء عن الصلوة إذا حضر وقتها لا يشغلكم ذلك ، فإن في حضوركم معي فيها تقوية لكم ومعونة ، فإنها مذكرة لكم أنكم بعيني وأني معكم ، ومن قتل منكم فإنه لا يموت ، بل هو حي عندي ، فقال تعالى : (١٥٥) (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ) لا يلزم من