والثلاثين توحيدا المذكورة في القرآن ، وهو توحيد الواحد بالاسم الرحمن الذي له النفس ، فبدأ به فنفى الألوهية عن كل أحد وحّده الحق تعالى إلا أحديته ، فأثبت الألوهية لها بالهوية التي أعادها على اسمه الواحد ، وأول نعت نعته به الرحمن لأنه صاحب النفس ، وسمي هذا الذكر تهليلا من الإهلال وهو رفع الصوت ، أي إذا ذكر بلا إله إلا الله ارتفع الصوت الذي هو النفس الخارج به على كل نفس ظهر فيه غير هذه الكلمة ، ولهذا قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله] وما قالها إلا نبي ، لأنه ما يخبر عن الحق إلا نبي ، فهو كلام الحق ، فأرفع الكلمات لا إله إلا الله ، وهذه الكلمة اثنا عشر حرفا ، فقد استوعبت في هذا العدد بسائط أسماء الأعداد وهي اثنا عشر ، ثلاث عقود (العشرات والمئين والآلاف) ، ومن الواحد إلى التسعة ، ثم بعد هذا يقع التركيب بما لا يخرج عن هذه الآحاد إلى ما يتناهى ، وهو هذه الاثنا عشر ما لا يتناهى ، وهو ما يتركب منها ، فلا إله إلا الله وإن انحصرت في هذا العدد في الوجود فحزاؤها لا يتناهى ، فبها وقع الحكم بما لا يتناهى ، فبقاء الوجود الذي لا يلحقه عدم بكلمة التوحيد وهي لا إله إلا الله ، فهذا من عمل نفس الرحمن فيها ، ولهذا ابتدأ به في القرآن وجعله توحيد الأحد ، لأن عن الواحد الحق ظهر العالم.
____________________________________
عليه (أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ) أي يستصحبهم الطرد من الله (وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) فعمّ الناس وهو قوله تعالى فيهم يوم القيامة (إنهم يكفر بعضهم ببعض ويلعن بعضهم بعضا) وما عداهم فهو مؤمن ، والمؤمن بلا شك يلعنه بلعنة الله مع الملائكة ، فلهذا عمّ بقوله الناس ، ثم أردفه بقوله : (١٦٣) (خالِدِينَ فِيها) يعني في اللعنة مقيمين (لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ) ما لهم وقت راحة منه (وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) يؤخرون عن العذاب ، قال تعالى : (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ) أي يؤخر إلى أن يجد ما يؤدي به دينه ، ثم قال : (١٦٤) (وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ) الأظهر في هذه الآية وحدانيته في الألوهية ونفيها عمن سواه ، وليس في ظاهر الآية عند العرب نفي ما سوى الألوهية عنه ، وإن كان دليل العقل يعطي ويقضي بأن ذاته لا جنس لها ولا مثل ولا تنقسم ، ونحن إنما نريد تفسير الآية بمقتضى كلام العرب بالنظر إلى خصوص هذا اللفظ المعين في هذه الآية ، فليس إلا ما ذكرناه والحمد لله ، ولما نزلت هذه الآية في توحيده سبحانه أكثر المشركون من ذلك التعجب وقالوا : (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ)