الذي أنزل الكتاب على عبده» وقوله (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) وما خرج حمد من محاميد الكتب المنزلة من عنده عن هذا التقسيم. الحمد لله تملأ الميزان ، لأنه كل ما في الميزان ، فهو ثناء على الله وحمد لله ، فما ملأ الميزان إلا الحمد ، فالتسبيح حمد ، وكذلك التهليل والتكبير والتمجيد والتعظيم والتوقير والتعزيز ، وأمثال ذلك كله حمد ، فالحمد لله هو العام الذي لا أعم منه ، وكل ذكر فهو جزء منه ، كالأعضاء للإنسان ، والحمد كالإنسان بجملته ، «الحمد لله» بعد ما خلق الله آدم وسواه ، نفخ فيه الروح ، فاستوى قاعدا ، فعطس ، فقال «الحمد لله» فقال له الحق «يرحمك الله يا آدم ، لهذا خلقتك» ولهذا قال عقيب قوله (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ)(الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) فقدم الرحمة ، ثم قال (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) فأخر غضبه ، فسبقت الرحمة الغضب في أول افتتاح الوجود ، فسبقت الرحمة إلى آدم قبل العقوبة على أكل الشجرة ، ثم رحم بعد ذلك ، فجاءت رحمتان بينهما غضب ، فتطلب الرحمتان أن تمتزجا ، لأنهما مثلان ، فانضمت هذه إلى هذه ، فانعدم الغضب بينهما ، فإذا قال العالم (الْحَمْدُ لِلَّهِ) أي لا حامد إلا هو ، فأحرى أن لا يكون محمودا سواه ، وتقول العامة (الْحَمْدُ لِلَّهِ) أي لا محمود إلا الله ، وهي الحامدة ، فاشتركا في صورة اللفظ.
(رَبِّ الْعالَمِينَ) [اعلم أن العالم عبارة عن كل ما سوى الله ، وليس إلا الممكنات ، سواء وجدت أو لم توجد ، فإنها بذاتها علامة على علمنا ، أو على العلم بواجب الوجود
____________________________________
النوع الواحد يسمى شكرا ، والحمد يجمعها فمن فسر الحمد هنا بالشكر خاصة فقد قصر وما أعطى الكلمة حقها في الدلالة ، يقول العبد في الصلاة (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) يقول الله حمدني عبدي ، وما قال شكرني عبدي ، فصح ما ذكرناه من عموم الثناء هنا أنه مراد ، ولله متعلق أيضا بما في الكلام من معنى الفعل وهو كائن ومستقر. ـ إشارة ـ اللام من لله الخافضة حرف ، فهي عبد ، إذ الحرف يدل على المعنى ، والعبد يدل على الله ، والهاء من لله معمولة لللام بما حصل لها من الخفض ، الحق مدلول دليل العبد ، من عرف نفسه عرف ربه ، فجعله دليلا على معرفته ، فكان العلم به معمولا للعلم بنا ، وكونه خفضا لأنه يتعالى عن أن نعرف حقه ، فلا نعلم منه إلا ما يناسبنا ولهذا نتخلق بأسمائه الحسنى التي بيدنا ، فهذا معنى الخفض لأنها معرفة نازلة عن علمه بنفسه سبحانه. قوله (رَبِّ الْعالَمِينَ) يقول مصلح العالم ، واسم العالمين هنا كل ما سوى الله ،