(إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ) (١٦٦)
اعلم أنه ما من معبود إلا ويتبرأ من الذي يعبده هنا ، من حيث لا يسمع العابد إلا بخرق العوائد ، وفي الدار الآخرة على الكشف ، ففي موقف القيامة يقر كل أحد بالشهادة ولا ينكر ولا يدعي لنفسه ربوبية ، والتبرؤ يوم القيامة يقع من الطائفة التي ادعيت فيها الألوهية ولم تدعها لنفسها ، (مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا) وهم الذين اتخذوهم آلهة من دون الله ، ما لم يتوبوا قبل الموت ممن يقبل صفة التوبة وليس إلا الجن وهذا النوع الإنساني ، فإذا عذب الله غدا المشركين الذين ذكرهم الله أنه لا يغفر لهم ، فإنما يعذبهم من حيث أنهم ظلموا أنفسهم ووقعوا في خلق بكلام ودعوى ساءتهم ، وتوجهت منهم عليهم حقوق في أعراضهم يطلبونهم بها ـ الوجه الثاني ـ الذين قالوا : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) يوم القيامة تهلكهم عاداتهم ولا تنفعهم عباداتهم ، ولا تغني عنهم من الله آلهتهم شيئا ، وتبرأ منهم عند اضطرارهم أئمتهم ، فلم تنفع البراءة تلك الأئمة ، وضوعف لهم العذاب خلف حجاب الظلمة ، فكانوا وأتباعهم عن سعاداتهم بمعزل ، وأنزلوا النار دار البوار.
____________________________________
المشركين أو الظالمين مطلقا ، والأول أوجه (إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ) ينزل بهم يوم القيامة فإنهم يعلمون في ذلك الوقت (أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) يعني القوة أجمعها التي كان المشركون قد فرقوها على الآلهة والأنداد الذين اتخذوها «و» يعلمون (أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذابِ) كما قال تعالى : (إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) وقال : (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ) (١٦٧) (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ) العامل في (إِذْ) أيضا (وَلَوْ تَرى) إذ تبرأ شركاؤهم وإن كانوا حجارة ، فإن الدار الآخرة هي الحيوان ينطق فيها كل شيء ، قال تعالى : (وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ) فعمّ ، وتبرأ منهم رؤساؤهم الذين أضلوهم ، وجعلوهم يشركون بالله من الذين اتبعوهم وهو قوله : (وَقالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ) حتى تنظروا وتبحثوا على وجه الحق ، بل كنتم مجرمين ، أي مستحقين العذاب ، وقد يكون العامل في (إِذْ) (وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ) إذ تبرأ ، أي في هذا الوقت ، (وَرَأَوُا الْعَذابَ) هذه الواو واو الحال يأتيهم (وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ) التي كانوا يظنون في الدنيا أنها توصلهم إلى سعادتهم ، وتشفع لهم عند الله كما كانوا يزعمون في قولهم (مَا