(وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ) (١٦٧)
فقد تبرؤا في موطن ما فيه تكليف بالبراءة أنها نافعة صاحبها. (وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ) ما ورد من الشارع أن العالم الذي هو في جهنم الذين هم أهلها ولا يخرجون منها أن بقاءهم فيها لوجود العذاب ، فإنه يجوز أن يرتفع عن أهل النار وجود العذاب مع كونهم في النار ، فإن الله تعالى يقول (رحمتي سبقت غضبي) وليس بأيدينا من طريق العقل دليل على وجود العذاب دائما ولا غيره ، فليس إلا النصوص المتواترة وليس للعقل رده إذا ورد من الصادق النص الصريح.
(يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (١٦٨)
هذا أمر بالورع في المطاعم وغيرها من المكاسب ، وأن يكون الناس على بينة من ربهم في مطاعمهم ومشاربهم ، فإن الورع في الكسب يؤدي إلى الأكل مما يعلم أن ذلك حلال
____________________________________
نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) وقولهم (هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) (١٦٨) (وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً) يعني رجوعا إلى الدنيا (فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا) تبرأنا منكم ومن عبادتكم والانقياد إليكم مثل ما تبرأتم اليوم منا في وقت حاجتنا وضرورتنا (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا) وأعمى الله أبصارهم ، فمن كتبه الله شقيا لا يسعد ، ومن كتبه سعيدا لا يشقى ، ولا يبعد (كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ) يقال : حسرت عن الشيء إذا كشفت عنه ، كذلك أعمالهم حسرت عن العذاب إذ كانت أعمالهم في الدنيا سترا عليه (وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ) كما قال في أهل السعادة لما ذكر كونهم في الجنة قال : (وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ) فإن الله ما ذكر آية رحمة في القرآن إلا وإلى جانبها آية عذاب ، وإن أفردها فستجد أختها أيضا مفردة في موضع آخر من القرآن ، ومن تتبع القرآن وجده على ما قلناه ، وهذا نص في استمرار كونهم في النار إلى غير نهاية ، فالمشرك ليس بخارج من النار (١٦٩) (يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ) مما يؤكل (حَلالاً)