لهم استعماله ، فالحلال عزيز المنال على جهد الورع قليل جدا ، ولا يحتمل الإسراف والتبذير ، بل إذا تورعت عما لزمه أهل الورع فبالحري أن يسلم لك قوتك على التقصير ، والنفس تورط صاحبها في الشبهات وهي تريد الحرام ، فإن الراتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه ، وإياك والإسراف في النفقة وإن كانت حلالا صافيا ، فإنه مذموم وصاحبه مبذر ملوم ولذلك قال :
(إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ (١٦٩) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ) (١٧٠)
وضرب الله تعالى مثلا لمن سمع كلام الرسول صلىاللهعليهوسلم ، ولكن لجهله بما سمع أنه حق في نفس الأمر وعدم تصديقه كان عنده كمثل الصوت من الإنسان عند البهائم التي لا تعقل معناه ، فقال تعالى :
____________________________________
مصدر من حل يحل حلالا ، أي أطلقت لكم الأكل مما في الأرض مما أحللته لكم ، وقوله (طَيِّباً) أي ليس في أكله تنغيص عليكم ، بل لذة ونعيم في الدنيا والآخرة ، قال تعالى : (وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ) ولو كان مناقشة حساب لم تكن خالصة ، ولا وقعت للمؤمن بها لذة ، واعلم أن ذلك في مجرد الأكل الحلال ، والحساب إنما يقع والسؤال في كسبه والوصول إليه ، لا في أكله إذا كان حلالا ، فإنه يغمض هذا المعنى على أكثر الناس (وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) يعني في كسب هذا المأكول وتحصيله ، فتأخذوه مما حرمت عليكم أخذه ، فنهانا أن نقتدي بالشيطان ونمشي على أثره ، فإن الله قد أعلمنا أنه لا يمشي في طاعة ، وأنه مخالف أوامر الله ، وأنه لنا عدو مبين ظاهر العداوة ، فقال : (إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) ، وقد بينا في أول السورة ما معنى عدو ، والخطوة بفتح الخاء الفعلة الواحدة ، وبضم الخاء ما بين قدمي الماشي ، في هذه الآية دليل على أن الكافرين مخاطبون بفروع الشريعة وأنهم داخلون في هذا العموم ، فخاطبهم بأن يأكلوا مما أحل لهم ولا يتبعون خطوات الشيطان ، ثم قال (١٧٠) (إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) أنزل الناس منزلة