(وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلاَّ دُعاءً وَنِداءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ) (١٧١)
فأصمهم الله وأعمى أبصارهم وختم على ألسنتهم ، فما تلفظوا بما دعاهم إليه أن يتلفظوا به ، فإنه لا فرق بين الصمم الذي لا يسمع كلام المخاطب ، وبين من يسمع ولا يفهم
____________________________________
الحاضرين وخاطبهم ، وفي الحقيقة إنهم مشاهدون له وحاضرون عنده ، فإنه قد أخبر بأخذ الميثاق عليهم ، وقد ورد في الصحيح أن النبي صلىاللهعليهوسلم رأى أسودة عن يمين آدم وعن يساره ، وذكر أنها نسم بنيه ، فصح أن يقول لهم مخاطبا (إِنَّما يَأْمُرُكُمْ) يعني الشيطان (بِالسُّوءِ) أي بما يسوءكم عاقبته في الدار الآخرة (وَالْفَحْشاءِ) أي بما يفحش ذكره ويقبح ، وهو العمل بمعاصي الله (وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) من تشريعكم لأنفسكم ما لم يأذن به الله ، فتقولون هذا حلال وهذا حرام ، وتقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ، وتقولون على الله الكذب افتراء ، فجعل هذا كله من أمر الشيطان لهم في نفوسهم ، وهو لمته ووسوسته (١٧١) (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ) الآية ، الضمير يعود على المقلدة لا على علماء الكفار (اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ) بدلا من اتباعكم ما أمركم به الشيطان في قلوبكم (قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا) أي ما وجدنا (عَلَيْهِ آباءَنا) من الدين ، ولذا قلنا إن الضمير يعود على المقلدة ، وإن عاد على الجميع فيكون هذا القول من مقلديهم خاصة ، وفي هذا تحريض على النظر في الأدلة وذم التقليد في الأصول والفروع ، فإنه عمّ بقوله : (ما أَنْزَلَ اللهُ) فدخل تحته جميع الأحكام ، وهو الأوجه ، فإن الأصول تثبت بالأدلة العقلية ، ولا يحتاج فيها إلى إنزال وحي من الله ، بخلاف الفروع فإنها لا تعلم إلا بإنزال وحي من الله ، وهو قوله : (اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ) فعمّ ، وحمله على ذم التقليد في الفروع أوجه وأولى ، فلا يبقى من التقليد إلا نقل الدليل من المفتي إلى السائل عن الله ، أو عن رسوله ، أو الإجماع في المسألة التي يسأل فيها ، فلو قال له المفتي هذا الحكم رأيي حرم عليه اتباعه والأخذ به ، فليس في الشرع من التقليد محمود غير هذا ، لأنه لا بد منه ، ثم قال : (أَوَلَوْ كانَ) فأتى بهمزة الرد والتعجب من فعلهم ذلك وتقليدهم إياهم ، والواو للحال ، أي تتبعون آباءكم ولا تعرفون هل كانوا على الصواب فيما دانوا أنفسهم به لله إن كان عن نظر في أدلة أو كانوا على خطأ في ذلك ، والآيات بين أيديكم والمعجزات ، فلم لا تنظرون فيها ، فقال : (أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ) فهو توبيخ وتعجب من قلة استعمالهم لعقولهم فيما تكون فيه سعادتهم ، ثم شبههم وشبّه الرسول في دعائه إياهم ، فذكرهم دون الداعي لدلالة المعنى عليه ، فقال : (١٧٢) (وَمَثَلُ الَّذِينَ