والملك على الحقيقة هو الحق تعالى المالك للكل ومصرفه ، وهو الشفيع لنفسه عامة وخاصة ، خاصة في الدنيا وعامة في الآخرة من وجه ما ، ولذلك قدم على قوله (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) الرحمن الرحيم ، لتأنس أفئدة المحجوبين عن رؤية رب العالمين ، ألا تراه يقول يوم الدين (شفعت الملائكة والنبيون وشفع المؤمنون وبقي أرحم الراحمين) ولم يقل الجبار ولا القهار ليقع التأنيس قبل وجود الفعل في قلوبهم.
(إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) (٥)
إياك نعبد أي لك نقر بالعبودية وحدك لا شريك لك ، فقدم قول إياك نعبد وهو قول العبد المحض بذاته إياك نعبد ، فمن قالها متحققا بعبوديته فقد وفّى حق سيده ، ولم يلتفت إلى نفسه ولا إلى صورة ما خلقه الله عليها التي توجب له الكبرياء بل كان عبدا محضا ، ثم قال بالصورة التي خلق عليها (إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) على عبادتك ولا يطلب العون إلا من له نوع تعمّل في العمل ، فيقول وإليك نأوي في الاستعانة لا إلى غيرك ، فبهذه الآية نفى الشريك.
____________________________________
عبدي) وفي رواية (مجدني عبدي) فهو قولنا إن الدين هنا هو الجزاء في الدارين ، فإن التفويض تكليف ومحله الدنيا ، بل لا يصح أن يكون إلا فيها ، وهو أخص من (مجدني عبدي) فإن التمجيد له في الدارين ، وهو الشرف ، والتفويض من العبد لا يكون إلا هنا ، فإن الآخرة لا يصح فيها تفويض من العباد ، إذ لا دعوى هناك ، بل الأمور كلها مكشوفة للعباد أنها بيد الله ، ولا يفوض المفوض إلا ما له فيه تصرف ، وليس ذلك هناك ، فتأمل ، قوله (٥) (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) أفرد نفسه بالكاف في الموضعين ، لأنه المعبود وحده ، ولا يعبد غيره ، والمطلوب منه ، لأنه المعين وحده بكل وجه ، يؤيد ذلك قوله (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) والألوهية هي المعبودة من كل معبود ، ولكن أخطؤوا في النسبة فشقوا شقاوة الأبد ، وكذلك هو المعين بما يوجده ويخلقه في خلقه من أسباب المعونة ، وجمع عباده بالنون فيهما ، لأن العابدين والمستعينين كثيرون ، سواء كان العابد شخصا واحدا أو ما زاد عليه ، فإن الشخص وإن كان واحدا ، فإن كل عضو فيه ، عليه عبادة ، فصحت الكثرة في الشخص الواحد ، فلهذا له أن يأتي بنون الجماعة ، قال عليهالسلام «يصبح على كل سلامي منكم صدقة» وهي العروق ، وقال تعالى (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) لسترها عنا ، ولهذا قال في الآية : (إِنَّهُ كانَ حَلِيماً