ذكر آبائكم في هذا الموطن في قلوبكم وألسنتكم ، فإن الله تعالى يقول : (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ) فما نهاهم عن ذكر آبائهم ، ولكن رجح ذكر الله على ذكرهم آباءهم بقوله : (أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً) وهو الموصي عباده بقوله : (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ) أي كونوا ـ أنتم من إيثار ذكر الله والفخر به من كونه سيدكم وأنتم عبيد له ـ على ما كان عليه آباؤكم.
(وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ (٢٠١) أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ (٢٠٢) وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) (٢٠٣)
إن الناس اختلفوا في الإعادة من المؤمنين القائلين بحشر الأجسام ، ونحن نثبت الحشر في النشأة الروحانية المعنوية مع الحشر المحسوس في الأجسام المحسوسة ، والميزان المحسوس
____________________________________
النَّاسُ) من عرفات ، ويكون الناس هنا من بقي على ملة إبراهيم في الوقوف بعرفة في ذلك اليوم ، وعلى هذا أكثر أهل التأويل ، وفيه بعد في سياق الآية وإن كان صحيح المعنى ، والذي ذهبنا إليه أقرب بالمساق ، ثم قال : (وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ) إشعار بما كان عليه من الخطأ من وقف يوم عرفة بجمع ، وقد يكون الاستغفار طلبا من العباد إلى الله أن يضمن التبعات عنهم لأربابها بإرضاء الخصوم ، حتى ينقلبوا من حجهم مطهرين من جميع الذنوب ، وما أمرهم بالاستغفار في هذا الموطن إلا وهو يغفر لهم ، ولو لم يكن كذلك لم يكن للاستغفار المأمور به على التعيين فائدة ، فقال : (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ) إذا استغفر تموه (رَحِيمٌ) بكم حيث أمركم أن تستغفروه ، ثم قال : (٢٠١) (فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ) في هذا المساق إشعار ونوع حجّة لمن لا يرى أن طواف الإفاضة ركن من أركان الحج ، لأنه ما ذكره على التعيين كما ذكر الإحرام بفرض الحج ، وذكر عرفات وذكر المزدلفة يقوي من احتج بالحديث في أنه من لم يدرك من الليل المزدلفة ولا صلى مع الإمام صلاة الصبح لم يدرك الحج ، فما ذكر إلا هؤلاء وما بقي أدخله في ذكر المناسك ، فقال : (فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ) الآية ، يقال : منسك بكسر السين وهو الاسم ومنسكا بفتح