للرسل ، وكذلك الإنذار في مخالفة الله تعالى وأوامره ، أما قوله تعالى : (فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ) اعلم أن الله اصطفى من كل جنس نوعا ، ومن كل نوع شخصا ، واختاره عناية منه بذلك المختار ، أو عناية بالغير بسببه ، فاختص الله من أيام الأسبوع يوم العروبة ، وهو يوم الجمعة ، وعرف الأمم أن لله يوما اختصه من هذه السبعة الأيام ، ولما ذكر الله شرف هذا اليوم للأمم ولم يعينه ، وكلهم الله في العلم به لاجتهادهم ، فاختلفوا فيه ، فقالت النصارى : أفضل الأيام والله أعلم هو يوم الأحد ، فاتخذوه عيدا ،
____________________________________
استحسنه بما زين له سخر منه ، فقال تعالى : (وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) حيث يعيبون عليهم ما هم فيه من نعيم الدنيا ، فيقولون : [لا عقل لهم] مستهزئين بهم ، فقال تعالى : (وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) ففيه تحريض للمؤمن على التقوى ، حتى لا يشاركونهم يوم القيامة في شيء من النار ، فلو قال : [والذين آمنوا فوقهم يوم القيامة] لكان الكافر إذا رأى المؤمنين الذين أوبقتهم الذنوب حتى أوردتهم النار إلى أن يشفع فيهم فيخرجون ، لم يكن يصدق عندهم قوله : [والذين آمنوا فوقهم يوم القيامة] فذكر المتقين الذين يحشرون يوم القيامة إلى الرحمن وفدا ، فيعلمون عند ذلك صدق الله في صفة المتقي ، إذ لا طريق له إلى النار ، ثم قال : (وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) أي هذا المتقي أيضا قد يكون له حظ عظيم من الدنيا ، ولا سيما كملك سليمان ويوسف وداود وما فتح الله به على محمد صلى الله عليهم أجمعين ، ولا أحاسبهم عليها ، كما ورد في الحديث أن من أمة محمد صلىاللهعليهوسلم سبعين ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ، ومن فسره على التقدير ، أي بغير تقدير ، فليس بشيء ، فإن الله يقول : (وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ ، وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ) (وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) ولا تقتضي الألوهية أن تكون الأمور جزافا ، تعالى الله عن ذلك ، فهذا معنى (وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) وإن قلنا معناه بغير تقدير ، فيكون عند المرزوق ، وإن كان يقول الله : هذا الرزق معلوم القدر عندنا ، فما أعلمنا المرزوق بذلك ، فمعناه بغير تقدير عنده ، والأول أولى وأمدح بالمتقي (٢١٤) (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً) كان حرف وجودي ، يقول إن الناس أوجدهم على الفطرة وكلهم أقروا بوجود الله ، ثم اختلفوا بعد ذلك بحسب ما ظهر لكل واحد منهم عندما بحث وفكر في معرفة من استند إليه في وجوده ، فاختلفت الفرق في ذلك ، وكل ذهب إلى ما أفضاه نظره ، فمنهم المصيب ومنهم المخطئ (فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ) بالكتب (مُبَشِّرِينَ) لمن أصاب الحق في نظره (وَمُنْذِرِينَ) من أخطأ أن يرجع إلى الصواب ، وعينت الأنبياء لهم ذلك (وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ) الكتب