(كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٢١٣)
... (فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) بشارة الأنبياء متعلقة بالعمل المشروع ، وهو أنه من عمل كذا كان له كذا في الجنة ، أو نجاه الله من النار بعمل كذا ، هذا لا يكون إلا
____________________________________
أقمت لهم البينات على طريق هداهم ، (وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ) أي من بعد ما علمها وتحققها ، مثل قوله : (ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ) فإن الله يعاقبهم على ذلك أشد العقوبة ، وإذا كانت (كَمْ) خبرية ، يقول : يا محمد (سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ) ثم يخبره سبحانه فيقول له : (كَمْ آتَيْناهُمْ) يا محمد ، أي أعطيناهم (مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ) فإنك إذا سألتهم يقولون ذلك مثل ما أخبرتك ، ويكون قوله : (وَمَنْ يُبَدِّلْ) إخبارا لمحمد عليهالسلام أن الأمر في كل من بدل نعمة الله كذا ، أو يكون على جهة أن يعرفهم بذلك إذا سألهم واعترفوا بنعم الله (٢١٣) (زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا) لا فاعل إلا الله تعالى قال تعالى : (زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ) تنبيه أن يعتقد ذلك وأنه من قضائه وقدره ، إذ كل شيء بيده ، ثم قال : (زين لهم الشيطان أعمالهم) تنبيه على الأدب ، ويضاف إلى الشيطان إذ جرى عليه لسان الذم من الله تعالى تنزيها لجنابه ، وذلك بحسب المخاطبين فإن كان في العقد خلل أضيف التزيين إلى الله ليثبت في قلبه اعتقاد كل شيء بيده ، والخير والشر من الله ، وإن كان [العقد] سالما أضاف مثل ذلك إلى الشيطان أو إلى نفسه ، ثم جعل مرتبة ثالثة في ذلك ، فبنى منه فعل ما لم يسم فاعله فقال : (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً) وقال : (زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا) ولم يذكر من زينها لهم ، فهي حالة وسط بين العقد والأدب ، فإذا لم يترجح عند المتكلم أحد الجانبين قال بهذه الصفة ، لقرينة الحال ، حيث يجمع المجلس المخاطبين الوجهين معا ، فلا يكون إنكار ، فإن كل واحد يأخذه على حاله في الوقت ، فقال : (زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا) أي نعيم الدنيا ، وطلبوا المثابرة عليه ، فإنه من حسن عنده شيء رغب في تحصيله والتكثر منه ، وسفّه غيره في ترك طلبه إياه ، فإذا رأى من يزهد فيما