وأطلق الله على هذا اليوم اسما على ألسنة العرب في الجاهلية وهو لفظ العروبة ، أي هو يوم الحسن والزينة ، فلم يكن في الأيام أكمل من يوم الجمعة ، فإن فيه ظهرت حكمة الاقتدار بخلق الإنسان فيه ، فلما كان أكمل الأيام وخلق فيه أكمل الموجودات خصه بالساعة التي ليست لغيره من الأيام ، والزمان كله ليس سوى هذه الأيام ، فلم تحصل هذه الساعة لشيء من الزمان إلا ليوم الجمعة ، وكان خلق الإنسان في الساعة المذكورة المخصصة من يوم الجمعة ، فإنها أشرف ساعاته ، فالحمد لله الذي اصطفانا وهدانا إلى يوم الجمعة وخصنا بساعته ، فإنه من أعظم الهداية التي هدى الله إليها هذه الأمة خاصة ، فإنه اليوم الذي اختلفوا فيه ، فيوم الجمعة أشرف أيام الأسبوع ، وشرفه ذاتي لعينه ، ولا يفاضل بيوم عرفة ولا غيره ، فإن فضل يوم عرفة وعاشوراء لأمور عرضت ، إذا وجدت في أي يوم كان من أيام الأسبوع كان الفضل لذلك اليوم لهذه الأحوال العوارض ، ولهذا شرع الغسل ، وهو فرض عندنا ليوم الجمعة لا لنفس الصلاة ، فإن اتفق أن يغتسل في ذلك اليوم لصلاة الجمعة فلا خلاف أنه أفضل بلا شك.
____________________________________
فيه من ذلك فأصبنا يوم الجمعة ، وأصبنا ملة إبراهيم وأصبنا الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله من غير أن يفرق بين أحد منهم ، فقال تعالى مخبرا : (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً) أي على أمر واحد فاختلفوا (فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) مرغبين ومخوفين (وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ) الحق المنزل في الكتاب. (بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ) ليبين الصواب عند من هو منهم من الخطأ ، ثم اختلف في الكتاب من أنزل إليهم من الأمم ، فقال : (وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ) يقول : المعجزات والدلائل على أن هذا الكتاب هو من عند الله (بَغْياً) حسدا (بَيْنَهُمْ) كيف أنزل الكتاب على فلان ولم ينزل على فلان ، كما قالوا في القرآن (لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) فذكر الطائفة التي علمت وجحدت ، والطائفة التي جاءها الدليل فلم تعقله (فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) المؤمنين من أهل الكتاب ومنا (لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ) أي بإعلامه إيانا على لسان رسوله صلىاللهعليهوسلم (وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) منا ومنهم (إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) إلى الطريق الذي يهدي إلى الحق الذي فيه سعادتهم عند الله (٢١٥) (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ) نزلت لما أصيب المسلمون يوم أحد تعزية للنبي صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين ، بما أصاب الأمم المؤمنين قبلهم من الشدة والبلاء ، فقال لما ذكر أنهم