له فيه غرض من الله ، فإذا لم يفعله الله له يكره العبد ذلك الترك من الله ، ويقول : لعل الله جعل لي في ذلك خيرا من حيث لا أشعر ، وهو قوله تعالى : (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ) ومن هنا يعلم فضل الحاصل على الفائت في حقك إذا كان فيه سعادتك ، ولا فضل للفائت على الحاصل إذا كان الفائت مطلوبك ولو حصل لك أشقاك وأنت لا تعلم ، فكان الفضل فيه في حقك فوته ، فإن بفوته سعدت ، وهذا لا يكون إلا لمن أسعده الله.
____________________________________
المال الذي هو الخير ، كما قال : (إِنْ تَرَكَ خَيْراً) أي مالا ، ف» أعطوه «للوالدين والأقربين» أي صلوا به أرحامكم (وَالْيَتامى) الذين لا مال لهم (وَالْمَساكِينِ) الذين يسكنون إليكم لحاجتهم وإن لم يسألوا (وَابْنِ السَّبِيلِ) يريد الضيف وتزويد المسافر الذي هو عابر سبيل ، ثم قال : (وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ) فالخير هنا كل معروف وكل عمل محمود شرعا (فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ) أي بقدره ومنزلته ، ليكون الجزاء مطابقا له ، يقول (عَلِيمٌ) بالإنفاق وبالخير الذي وقع فيه الفعل ، وبالمنفق عليهم من الأصناف ، فإنه لكل حال جزاء معين ، فللإنفاق جزاء من حيث ما هو إنفاق مأمور به وجوبا أو ندبا ، وللمنفق منه جزاء يخصه ، كما قال : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) فكان ابن عمر يشتري السكر ويتصدق به ويقول إني أحبه ، وله من جهة المنفق عليه جزاء مخصوص يفضل بعضه على بعض ، فليس الإنفاق على ذوي الأرحام كغيرهم ، فإنها صدقة وصلة ، وصدقة الرجل على نفسه أفضل منها على زوجه ، ونفقته على زوجه أفضل منها على ولده ، وعلى ولده أفضل منها على خادمه ، وعلى الصالحين من المساكين أفضل منها على من ليس بصالح ، وفي هذه الآية باب من أجاب بأكثر مما سئل عنه ، كان السائل عمرو بن الجموح ، قيل نزلت قبل آية الزكاة ، وعلى أي وجه كان ، فالمراد بها نفقة التطوع (٢١٧) (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ) الآية ، أخبر تعالى في هذه الآية أنه أعلم بمصالح عباده ، وأنهم لا يعلمون ذلك ، وأنه لا يكلف عباده إلا بما هو الأصلح لهم في سعادتهم ، ولا يترك ما يترك من التكاليف إلا كذلك ، لعلمه سبحانه بذلك ولطفه بعباده ، ففى هذه الآية تحريض للمسلمين على الرضا بما يقضيه الله لهم ، خيرا إما عاجلا وإما آجلا ، فلا ينبغي للمؤمن أن يكره شيئا من ذلك ، قال تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ) أي أمر تكرهونه لما فيه من بذل المال والنفس (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً) مما كلفكم فعله (وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) عند الله مثل هذا إما عاجلا فالغنيمة والتشفي من نكاية العدو ، وإما آجلا فالأجر وإن استشهد فأجر الشهادة (وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً) وهو ترك ما