المشروعة إلا الرجوع من حال المخالفة إلى حال الموافقة ، فالله يحب التوابين الذين يكثرون الرجوع إليه في كل حال يرضيه ، فالتوابون هم الراجعون من الله إلى الله ، وأما من رجع إليه من غيره فهو تائب خاصة ، فإنه لا يرجع إليه من غيره من هذه صفته إلا إلى عين واحدة ، ومن يرجع منه إليه فإنه يرجع إلى أسماء متعددة في عين واحدة ، وذلك هو المحبوب ، ومن أحبه الله كان سمعه وبصره ويده ورجله ولسانه ، والله سبحانه وصف نفسه بالتواب لا التائب ، فالتواب صفة الحق تعالى ومن أسمائه عزوجل ، فما أحب الله إلا اسمه وصفته ، وأحب العبد لا تصافه بها على حد ما أضافها الحق إليه ، وذلك أن الحق يرجع على عبده في كل حال يكون العبد عليه مما يبعده من الله ، وهو المسمى ذنبا ومعصية ومخالفة ، فإذا أقيم
____________________________________
الوجهين ، فإن النص عزيز في ذلك ، وفي قوله : (وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ) مثل ذلك ، غير أنه في هذه الآية أن ولي المرأة أحق بتزويجها منها ، إذ رجح إنكاح الولي بكونه ذكره ، ولو اعتبر ولايتها لنفسها لنصب التاء ، وبينهما من الفرق أن نكاح المرأة المشركة فيه إعلاء كلمة الله على كلمة الكفر لما للرجل عليها من الحكم والولاية ، وفي نكاح المشرك عكس ذلك على السواء ، فيجوز نكاح المشركة ولا يجوز إنكاح المشرك ، وقوله : (وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ) ولو أعجبكم في الحسن والمال والجاه وشرف النسب وقوله (أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) أي إلى الأعمال المؤدية إلى النار ، أما في حق الرجل فإنه الأقوى والضعف الذي في النساء ، وأما من جانب المرأة فلما يتعلق بقلب الرجل من حبها ، والحب يعمي ويصم ، فقد تدعوه إلى دينها فيجيب ، وقد رأينا ذلك ورويناه (وَاللهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ) أي إلى أسباب ما يوجب الجنة والمغفرة من الله ، ونكاح المسلمة وإنكاح المسلم من الأسباب المعينة على طاعة الله ، وقوله : (بِإِذْنِهِ) أي بما أمر الله كل واحد من الزوجين أن يأمر الآخر به من الخير المؤدي إلى السعادة وقال : (وَيُبَيِّنُ آياتِهِ لِلنَّاسِ) أي ما نصب من الأدلة على ذلك (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) ما أعطاهم الفكر الصحيح والعقل الموافق لما جاءت به الشرائع من الدلالات ، فإنه ما جاء بما تحيله العقول ، بل ما تجيزه ، فنصب الآيات على ترجيح أحد الممكنين بالوقوع ، فهذا معنى قوله : (يَتَذَكَّرُونَ) فهو خطاب خاص لذوي الألباب ، وما خاطب الله في القرآن إلا أولي الألباب وأولي النهى ، قوله : (٢٢٣) (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً) الآية ، يقول : (وَيَسْئَلُونَكَ) يا محمد عن وطئ النساء في موضع الحيض في حال الحيض ، فقل لهم : (هُوَ أَذىً) أي هو مما تتأذون بفعله ، وقد يخرج مخرج العلة في تحريم الوطئ ، ويحتمل