منفعة مشروعة مما ينبغي أن يظهر مثل هذا بها وبسببها ، فيكون قربة إلى الله ، حتى لو صدق في هذا الموطن كان بعدا عن الله ، فكان في عدم منع وطء المستحاضة إشارة إلى أنه لا يمتنع تعليم من تعلم منه أن لا يكذب إلا لسبب مشروع وعلة مشروعة ، فإن ذلك لا يقدح في عدالته ، بل هو نص في عدالته. وأما الاعتبار في الاغتسال من الحيض ، فيجب تطهير القلب من لمة الشيطان [الحيض ركضة من الشيطان] إذا نزلت به ومسه في باطنه ، وتطهيرها بلمة الملك.
(نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (٢٢٣) وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (٢٢٤)
لا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم فإن الله لا يرحم ولا يزكي من حلف بالله كاذبا فلا تدخل ابتداء في اليمين ، فإنك إن دخلت في اليمين راعيته ، وأوجبت عليك حقا لم يجب عليك ،
____________________________________
تَطَهَّرْنَ) وإن لم يكن كذلك دالا ، فليس من كلام العرب أن تقول : [لا أعطيك ثوبا حتى تركب ، فإذا دخلت السوق أعطيتك ثوبا] والذي تقوله العرب [فإذا ركبت أعطيتك ثوبا] وتكلف الحذف مع الاستغناء عنه تحكم على كلام الله ، فيكون المفهوم من يطهرن هو المفهوم بعينه من يتطهرن على المعاني الثلاثة التي ذكرناها ، وهو انقطاع الدم أو غسل موضع الحيض بالماء أو الاغتسال المبيح للصلاة ، وهذا هو موضع اجتهاد المجتهد ، ويعمل بحسب ما يترجح عنده ، ثم قال : (فَإِذا تَطَهَّرْنَ) على ما قدمناه (فَأْتُوهُنَّ) كناية عن الجماع ، (مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ) بإتيان المرأة إذا طهرت من الحيض في محل المحيض ، ثم قال : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ) يريد الذين يرجعون إلى الله وإلى رسوله فيما يتنازعون فيه ، فيرجعون إلى حكم الله ، ثم قال (وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) يقول : الذين فعلوا الطهارة ، وهو استعمال الماء على ما ذكرناه قبل ، فأوجب محبته للمتصفين بهاتين الصفتين : التوبة والتطهير ، وقد يكون من حيث ما أمركم الله متعلقا بقوله : (فَاعْتَزِلُوا) التقدير : ولا تقربوهن من حيث أمركم الله باعتزالهن في المحيض حتى يطهرن ، وقد يتعلق بتقربوهن (٢٢٤) (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) الآية ، كناية عن الجماع