وخشي عليك الحنث.
____________________________________
في غاية الحسن بضرب من التشبيه ، ولما كان المقصود من الحرث بذر الحب في الأرض ليخرج من ذلك ما تقع به المنفعة ، وكان المراد من النكاح في الدنيا التناسل لإبقاء النوع ، أنزل ذلك منزلة الحرث ، فيكون الأوجه على هذا المعنى المفهوم من التشبيه في قوله : (أَنَّى شِئْتُمْ) كيف شئتم من الاختلاف في هيئات الجماع في موضع البذر ، ومع هذا فقوله : (أَنَّى شِئْتُمْ) فهو لفظ يصلح أن يكون موضع كيف وأين وحيث ، وقد اختلف الناس في هذه المسئلة أعني وطئ المرأة الحلال في الدبر ، فمنهم من أباحه ومنهم من حرمه ، والأصل إباحة الأشياء ، ومن ادعى تحجير ما أباحه الله فعليه بالدليل على ذلك ، وما ورد في تحريمه ولا في تحليله شيء يصح جملة واحدة على تعيينه غير الأصل المرجوع إليه العام في كل شيء وهو الإباحة ، وقوله : (وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ) يؤيد أنه أراد النكاح في الفرج فإنه من أحسن ما يقدمه الإنسان لنفسه عند ربه ولده ، إن مات قبله كان له فرطا وإن مات الوالد دعا له ولده ، وقد ورد الخبر في الأمرين معا ، فيمن قدم ولده أو ترك ولدا بعده ، ثم قال : (وَاتَّقُوا اللهَ) أن تعدلوا أو تخالفوا ما أمرناكم به أو نهيناكم عنه فيما تقدم من الأحكام من الوطئ وصورته ، والنكاح والإنكاح ، واليتامى ، والإنفاق ، والخمر والميسر ، والقتال في الأشهر الحرم ، ثم قال : (وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ) فيسألكم عن ذلك كله ، ففيه إنذار وتخويف وتحريض على فعل الخير ، والوقوف عند ما أمر الله به أو نهى عنه ، ثم قال : (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) في مقابلة الإنذار جعل البشرى للمؤمنين العاملين بما آمنوا به ، فإن النبي صلىاللهعليهوسلم سئل عن الإيمان فقال : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلوة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وأن يؤدوا الخمس من المغنم ، ونهاهم عن الدّبا والحنتم والمزفت والنقير ، وقال : احفظوه وأخبروا به من وراءكم ، ففسر الإيمان بالأفعال ، وهو الذي أراد بالمؤمنين هنا ، زيادة على التصديق ، لأن البشرى الواردة في القرآن للمؤمنين مقرونة بالأعمال الصالحة ، مثل قوله : (الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرى) وقال تعالى : (الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ) فما بشر إلا العاملين بما آمنوا به ، قوله تعالى : (٢٢٥) (وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) قوله عرضة من قول القائل اعترضني الشيء دون كذا ، أي حال بيني وبين الوصول إليه ، كأنه يقول : ولا تجعلوا أيمانكم بالله تعترض بينكم وبين فعل الخير ، فتقول : لولا أني حلفت بالله أني لا أوليك برا لأوليتك ، فنهى الله عن ذلك ، وذلك أنه لما كان الله قد شرع لعباده أن يأتوا بمكارم الأخلاق وكره لهم سفسافها ، فأمرهم بأفعال البر