شهوتهم عليهم ، والعاقل ليس كذلك ، فإن العقل يأبى إلا الفضائل ، فإنه يقيد صاحبه عن التصرف فيما لا ينبغي ، ولهذا سمي عقلا من العقال ، وقوة العقل والدليل الواضح قاما للعقل على تصديق الرسول الذي بعثه إلينا في إخباره الذي يخبر به عن ربه بما يكون منه سبحانه
____________________________________
كما ورد في السنة من أنه فرض الخائف ركعة ، وهي مسألة خلاف بين الناس ، وقد يمكن أن يكون قوله : (فَاذْكُرُوا اللهَ) تحريض على شكره سبحانه كما علمنا كيف نؤدي هذه الصلاة في حال الخوف وفي حال الآمن وعلى كل حال ، ثم قال : (٢٤١) (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِي ما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) الوجه عندي في تأويل هذه الآية أنه إخبار من الله بما كان الأمر عليه في زمان الجاهلية ، واستمرار ذلك في أول الإسلام ، من غير أن يرد من الله في ذلك حكم يرفعه ، ولا حكم يقره ، بل بقي الأمر على ما هو عليه من أن المرأة إذا مات عنها زوجها وهي في عصمته ، أنه كان يوصي لها بالنفقة والسكنى حولا كاملا ، ولم يكن لها ميراث ، فإن استعجلت المرأة الخروج قبل الحول سقطت نفقتها وسكناها ، ولم ينزل الله عليهم في حق من تركها تخرج ولا في حقهن إذا خرجن إثما ، بل كان الأولياء والمؤمنون يتركونهن ، وكانت النساء يزلن الإحداد ويتزين ويتعرضن للخطاب والتزويج ، ولا حرج في ذلك عليهم ، ولا عليهن من الله ، إلى أن نزلت آية الميراث والتربص أربعة أشهر وعشرا ، فلم يكن الحول ولا النفقة فيه ولا السكنى شرعا مقررا من عند الله ، ويؤيد هذا أنه لما نزلت عدة المتوفى أربعة أشهر وعشرا ، وظهر من الناس في ذلك ما ظهر من أنه يشق على النساء ، قال عليهالسلام : [قد كانت إحداكن في الجاهلية تقعد حولا في شر ثيابها] الحديث ـ ولم يقل عليهالسلام فيه إن ذلك كان شرعا من عند الله ، وقاله منكرا عليهن ، وأن الذي نزل عليه في ذلك أخف مما كان الأمر عليه ، وهن يضقن به ذرعا ، فإذا كانت هذه الآية إخبارا من الله تعالى بما كان الأمر عليه ، فلا يكون ما نزل من الحكم في ذلك بالأربعة أشهر والعشر الليالي وآية الميراث ناسخا لهذا الخبر ، لأن الخبر لا ينسخ ، وإنما الحكم الذي وقع الخبر عنه ارتفع بما نزل في ذلك ، والذي ذهب إليه المفسرون أن هذه الآية خرجت مخرج الحكم من الله في أول الإسلام ، ثم نسخها ما ذكرنا ، وهو بعيد للإنكار الوارد من النبي عليهالسلام الذي ذكرناه ، وقوله هنا : (وَاللهُ عَزِيزٌ) أي غالب بما قهرهم من الموت ، منيع الحمى أن يحال بينه وبين ما يريد ، فإن الله توفاهم ، وقوله : (حَكِيمٌ) أي عليم بالوقت الذي أنزل فيه رفع هذه المشقة ، فإن الحكيم هو الذي لا يتعدى بالأشياء ميقاتها ، لعلمه بذلك ولا نعلمه نحن ، ثم قال : (٢٤٢) (وَلِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ)