(وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (٢٤٨)
اعلم أن المعاني التي تتصف بها القلوب قد يجعل الله علامة على حصولها في نفوس من شاء من عباده أن يحصلها ، فيه علامات من خارج ، تسمى تلك العلامة باسم ذلك المعنى الذي يحصل في نفسه من الله ، وإنما يسميه به ليعلم أن تلك العلامة لحصول هذا المعنى
____________________________________
(٢٤٩) (وَقالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ) فقال لهم : (إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ) أي علامة إعطاء الله له الملك (أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ) وكان عند أنبياء بني إسرائيل تابوتا قد جعل الله لهم فيه آية يسكنون إليها تدل على نصرهم على عدوهم ، فكانوا إذا قاتلوا عدوهم قدموا التابوت أمام الجيش واستنصروا به ربهم ، فيعطيهم النصر ، فهذا معنى قوله : (فِيهِ سَكِينَةٌ) كما يقال : اقبل هذا الأمر فإن فيه فرجا لك ، وكان الله قد رفع التابوت من بني إسرائيل لما فشت فيهم المخالفات والكفر ، فقيل أخذه منهم عدوهم ، وقيل بل رفعه الله إليه ، ولا شك أن هذا الملأ من بني إسرائيل إنما أوتوا في إنكارهم الملك على طالوت لكونهم ما طلبوا قتال عدوهم لأن تكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى إيثارا لجناب الحق تعالى ، والله أغنى الشركاء عن الشرك ، فقالوا : (وما لنا أن لا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا) فذكروا العلة فما قاتلوا إلا لحظوظ نفوسهم لا لجناب الله ، فبعدوا من الله فضعفوا في نفوسهم ، فلم يقبلوا فرض القتال عليهم ، ونازعوا الله في ولاية طالوت عليهم ، فجاءت الملائكة بالتابوت تحمله بين السماء والأرض وهم ينظرون إليه حتى أنزلته في بيت طالوت ، فحينئذ سمعوا له وأطاعوا رغبة في النصر على عدوهم ، وقوله : (فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) أي فيه آية تدل على النصر ، فيسكن إليه من كان عنده في حال قتال عدوه ، يقال سكن إلى هذا الأمر يسكن سكونا وسكينة ، على أنه قد قيل في هذه السكينة أقوال ، كلها ترجع إلى ما ذكرناه ، فقالوا كانت السكينة التي فيه ريحا هفافة ، لها وجه كوجه الإنسان ، وقيل غير ذلك ، وسميت سكينة لما ذكرناه ، ولا فرق بين أن تكون الآية حضور التابوت عندهم أو تكون ما ذكروه ، قال تعالى : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ) ويحتمل أن تكون السكينة عبارة عن الملائكة الذين مع التابوت ينصرهم الله بهم مددا ودعاء ، فإنه قد ورد في الصحيح أن بعض الصحابة