جهل المقادير ، فإما يخسر في وزنه ، أو يطفف ، وقد ذم الله الحالتين ، وجعل تعالى للتطفيف حالة تخصه يحمد فيها التطفيف ، فيطفف هناك على علم ، فإنه رجحان الميزان ويكون مشكورا عند الله ، فإذا علم هذا ولم يبرح الميزان من يديه لم يخط شيئا من حكمة الله في خلقه ، ويكون بذلك إمام وقته ، فمن الميزان مثلا أن لا يعرض الحكيم بذكر الله ولا بذكر رسوله ولا أحد ممن له قدر في الدين عند الله في الأماكن التي يعرفها هذا الحكيم إذا ذكر الله أو رسوله أو أحدا ممن اعتنى الله به كالصحابة عند الشيعة ، فإن ذلك داع إلى ثلب المذكور وشتمه وإدخال الأذى في حقه ، ففي مثل هذا الموطن لا يذكره (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) وما كثره الله لا تدخله قلة ، كما أن ما عظم الله ما يدخله احتقار (وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ) فإن الإنسان قد يغفل عن أشياء كان علمها من نفسه ثم يذكرها ، ولب الشيء سره وقلبه ، واللب نور في العقل كالدهن في اللوز والزيتون ، والتذكر لا يكون إلا عن علم منسي.
(وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ) (٢٧٠)
التطوع قد يكون واجبا بإيجاب الله إذا أوجبه العبد على نفسه كالنذر ، فإن الله أوجبه بإيجاب العبد.
(إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (٢٧١)
الكامل يعلن في وقت في الموضع الذي يرى أن الحق رجح فيه الإعلان ، ويسر بها في وقت الموضع الذي يرى أن الحق يرجح فيه الإسرار وهذا هو الأولى بالكمل ، فيعطي بالحالتين ليجمع بين المقامين ، ويحصل النتيجتين ، وينظر بالعينين ، ويسلك النجدين ، ويعطي باليدين ، وأما من راعى صدقة السر فلأجل ثناء الحق على ذلك في الحديث الحسن الذي يتضمن قوله : «ما تدري شماله ما تنفق يمينه» ، وما جاء في صدقة السر أنها تطفئ