غضب الرب ، واعتناء الله بذلك ، فيسر بها لعلم الله بما أنفق ، ومن راعى الإعلان يعلن بها للتأسي وراثة نبوية ، وإعلانا بالطاعة لله حتى تكون كلمة الله هي العليا ، كما يعلن أصحاب المعاصي بالمعاصي والمخالفات وإظهار المنكرات ولا يستحيون من الله ، ومعلوم أن هناك خلافا في الصدقة المكتوبة وصدقة التطوع.
(لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَما تُنْفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ اللهِ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ) (٢٧٢)
(لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ) فيما يجري منهم من خير وشر ، أي ليس عليك أن توفقهم لقبول ما أرسلتك به وأمرتك بتبيانه (وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي) أي يوفق (مَنْ يَشاءُ) وهو أعلم بالمهتدين ، فالله سبحانه من حيث هو الهادي له الإبانة والتوفيق ، وليس للهادي الذي هو مخلوق إلا الإبانة خاصة (وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللهِ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ) اعلم أن الله وصف نفسه بالغيرة ، وعلم من أكثر عباده أنهم يهبون جزيل المال وأنفسه في هوى نفوسهم وأغراضهم ، فإذا أعطى أكثرهم لله أعطى كسرة باردة ، وفلسا وثوبا خلقا ، وأمثال هذا ، هذا هو الكثير والأغلب ، فإذا كان يوم القيامة وأحضر الله ما أعطى العبد من أجله ، بينه وبين عبده حيث لا يراه أحد ، فأعطى ما أعطى لغير الله ، فيقول له : يا عبدي أليست هذه نعمتي التي أنعمت بها عليك؟ أين ما أعطيت لمن سألك بوجهي؟ فيعيّن ذلك الشيء التافه الحقير ، ويقول له : فأين ما أعطيت لهوى نفسك؟ فيعين جزيل المال من ماله ، فيقول : أما استحييت مني أن تقابلني بمثل هذا وأنت تعلم أنك ستقف بين يدي ، وسأقررك على ما كان منك؟ فما أعظمها من خجلة ، ثم يقول له : قد غفرت لك بدعوة ذلك السائل لفرحه بما أعطيته ، لكني قد ربيتها لك ، وقد محقت ما أعطيته لهوى نفسك ، فإن صدقتك أخذتها وربيتها لك ، فيحضرها أمام الأشهاد وقد رجع الفلس أعظم من جبل أحد ، وما أعطى لغير الله قد عاد هباء منثورا ، فالعارفون بالله لا يعطون لله إلا أنفس ما عندهم ، لا أحقر ما عندهم ، فكلهم لله ، وكل ما عندهم لله ، العبد وما يملكه لسيده ، فيعطون بيد الله ويشاهدون يد الله هي الآخذة ،