من العلماء الوارثين ، والسلف الصالح ، فنهضوا لمناظرة أرباب البدع وتخطئتهم ، وحل شبههم ، ونهوا الناس عن اتباعهم وعن الإصغاء إليهم ، وعن التعرض بالآراء المتشابهة ، وحسموا مادة الجدال فيه والسؤال عنه ، سدا للذريعة واستغناء عنه بالمحكم ، وأمروا بالإيمان وبإمراره كما جاء من غير تعطيل ولا تشبيه ، وكان ذلك في عصرهم مغنيا ، لولا أن المبتدعة دونوا بدعهم ، ونصبوا عليها أشراك الشبه والأهواء المضلة ، فوفّق الله سبحانه الراسخين من علماء السنة ، فدونوا في الرد عليهم الكتب الكلامية ، وأيدوها بالحجج العقلية والبراهين المقيدة من الكتاب والسنة ، إلى أن أظهر الله الحق على ألسنتهم ، وقمع أهل الباطل والزيغ وأطفأ نار البدع والأهواء ، فجزاهم الله تعالى عن نصيحة هذه الأمة أفضل الجزاء ، ونقول ، اعلم هداني الله تعالى وإياك لما اختلف فيه من الحق بإذنه ، أن ربنا سبحانه وتعالى ، متكلم عالم مريد قدير ، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، احدي فلا أين ولا تركيب لذاته ، أزلي فلا كيف ولا ترتيب لصفاته ، أبدي فلا تناهي لجلاله وإكرامه ، تنزه في سمعه وبصره وإدراكه وبطشه عن الجوارح ، وعزّ في قدرته عن الشريك والمعين ، وجل في إرادته عن الأغراض ، وتفرّد في كلامه عن الحروف والأصوات ، وتعالى في استوائه عن التشبيه والكون ، وتقدس في علوه وفوقيته عن الجهات ، ينزل سبحانه بلا نقلة ، ويجيء ويأتي بلا حركة ، وتراه أبصار المؤمنين بلا إدراك ولا إحاطة ، لا حد لقربه ، ولا مثل لحبه ، ولا ثورة لغضبه ، ولا كيف له في رضاه وضحكه ، ولا شفعية إلا بمعيته ، ولا وترية إلا بظهور قهره وأحديته ، ولا بقاء إلا لأهل عنديته ، نفسه تعالى ذاته أو أم كتابه ، ووجه نور توحيده عند إقباله ، وصورته تعالى مظاهر تعرفاته ، وظلل غمامه ويده ويداه وأيديه أسماء حقائق يتصرف بها في مخلوقاته ، وأعينه وعينه آياته المبصرة القائمة بالحفظ والرعاية للمخصوصين من عباده ، وقدمه قدم الصدق الذي بشر به المؤمنين ، وجنبه صحبته وكلاءته للذاكرين من أتباع النبيين ، وهو الأول والآخر ، فما من عرض ولا جوهر إلا وهو مبدوء بأوليته ، مختوم بآخريته ، وهو الظاهر بحكمه في محكمه ، الباطن بعلمه في متشابه آياته ، وحكمه ظهر بمعيته في باطن وتريته ، فنشأت أعداد مصنوعاته ، وبطن بقدم أحديته في أسماء الحوادث ، فرجعت بحقائق هوياته إليه (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ) لا شريك له في ملكه ، وهو يؤتي الملك من يشاء ، ولا مثل له في كنهه ، وله المثل الأعلى ، تقدّس عن النظير في الدنيا والآخرة. (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ