إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) وتنزه عن الجهات وهو الله في السموات ، وتعالى عن التشبيه وله الآيات المتشابهات ، يجتني معانيها أهل قربه في ريان جنان ذكره ، كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا : هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابها ، ولهم فيها أزواج مطهرة وهم فيها خالدون ، فيقول الراسخون في العلم.
(رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) (٨)
(رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا) يعني بالفكر فيما أنزلته (بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا) إلى الأخذ منك علم ما أنزلته إلينا ، فأوقفتنا على مرادك من تلك الألفاظ التي حواها الكتاب ، والتعريف من المعاني المخلصة عن المواد ، فأعطاهم الله العلم غير مشوب. (وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) الوهب العطاء من الواهب على جهة الإنعام ، لا يخطر له خاطر الجزاء عليه من شكر ولا غيره ، فأم الأعطيات الإلهية هو الوهب ، وهو الإعطاء لينعم لا لأمر آخر ، فهو الوهاب على الحقيقة في جميع أنواع عطائه ، وكل عطاء خارج عن الجزاء الوفاق فذلك من الاسم الواهب والوهاب ، فسأله الراسخون في العلم من جهة الوهب لا من جهة الكسب ، فإنه ما يعلم مراد الله فيما أنزله على التعيين إلا بطريق الوهب ، وهو الإخبار الإلهي الذي يخاطب به الحق قلب العبد في سرّه بينه وبينه ، فأشرف العلوم ما ناله العبد من طريق الوهب ، وإن كان الوهب يستدعيه استعداد الموهوب إليه بما اتصف به من الأعمال الزكية المشروعة ، ولكنه لما لم يكن ذلك شرطا في حصول هذا العلم ، لذلك تعالى هذا العلم عن الكسب ، فإن بعض الأنبياء تحصل لهم النبوة من غير أن يكونوا على عمل مشروع يستعدون به إلى قبولها ، وبعضهم قد يكون على عمل مشروع فيكون ذلك عين الاستعداد ، فربما يتخيل من لا معرفة له ، أن ذلك الاستعداد لولاه ما حصلت النبوة ، فتخيل أنها اكتساب ، والنبوة في نفسها اختصاص إلهي يعطيه لمن يشاء من عباده وما عنده خبر بشرع ولا غيره.
(رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ (٩) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً وَأُولئِكَ