العلماء له ، فأخبر سبحانه وتعالى عباده بشرف العلم حيث وصف به نفسه ، وأخبر تعالى أن العلماء هم الموحدون على الحقيقة ، والتوحيد أشرف مقام ينتهى إليه ، وليس وراءه مقام إلا التثنية ، فمن زلت قدمه عن صراط التوحيد رسما أو حالا وقع في الشرك ، فمن زلت قدمه في الرسم فهو مؤبد الشقاء لا يخرج من النار أبدا لا بشفاعة ولا بغيرها ، ومن زلت قدمه في الحال فهو صاحب غفلة ، يمحوها الذكر وما شاكله ، فإن الأصل باق يرجى أن يجبر فرعه بمنّ الله تعالى وعنايته ، والموحد لله في ألوهته إن كان عن شهود لا عن نظر وفكر ، فهو من أولي العلم الذين ذكرهم الله في هذه الآية ، لأن الشهادة إن لم تكن عن شهود وإلا فلا ، فإن الشهود لا يدخله الريب ولا الشكوك ، وإن وحدّه بالدليل الذي أعطاه النظر ، فما هو من هذه الطائفة المذكورة ، فإنه ما من صاحب فكر ، وإن أنتج له علما إلا وقد يخطر له دخل في دليله وشبهة في برهانه ، يؤديه ذلك إلى التحيّر والنظر في ردّ تلك الشبهة ، فلذلك لا يقوى صاحب النظر في علم ما يعطيه النظر قوة صاحب الشهود ، لذلك كان أرباب الفيض الإلهي الذين قال تعالى فيهم : (وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً) والذين ورثوا العلم وأخذوه بالمجاهدة والأعمال ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم [من عمل بما علم أورثه الله علم ما لا يعلم] كان هؤلاء أولى باسم العالم من صاحب النظر والفكر ، لأن الله أعطاهم من الفيض الإلهي ما هو وراء طور العقل ، وهم على بصيرة فيما يعلمونه لا يدخلهم شبهة ؛ وصاحب النظر ما يخلو عن شبهة تدخل عليه في دليله وقال تعالى (وَأُولُوا الْعِلْمِ) ولم يقل (وأولوا الإيمان) لأن أولي العلم شهدوا لله بتوحيده قبل إيمانهم ، ومنهم الرسل قد وحدوه قبل أن يكونوا أنبياء ورسلا ، فإن الرسول ما أشرك قط ، فرتبة العلم فوق رتبة الإيمان بلا شك ، وهي صفة الملائكة والرسل ، وقد يكون حصول ذلك العلم عن نظر أو ضرورة كيفما كان ، فيسمى علما إذ لا قائل ولا مخبر يلزم التصديق بقوله ، فلما أضافهم إلى العلم لا إلى الإيمان علمنا أنه أراد من حصل له التوحيد من طريق العلم النظري أو الضروري لا من طريق الخبر ، كأنه يقول : وشهدت الملائكة بتوحيدي بالعلم الضروري من التجلي الذي أفادهم العلم ، وقام لهم مقام النظر الصحيح في الأدلة العقلية ، فشهدت لي بالتوحيد كما شهدت لنفسي (وَأُولُوا الْعِلْمِ) بالنظر العقلي الذي جعلته في عبادي ، ثم جاء الإيمان بعد ذلك في الرتبة الثانية من العلماء ، وهو الذي يعول عليه في السعادة ، فإن الله به أمر ، وسميناه