يقول عليهالسلام (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ) فيكون ما يظهر عليه من الاتباع في فعل الله نتيجة اتباعه لأوامر الله آية ، ويكون لنا ذلك كرامة ، وهو الفعل بالهمة والتوجه من غير مباشرة ، فيظهر على يد هذا العبد من خرق العوائد مما لا ينبغي أن يكون إلا على ذلك الوجه من غير سبب إلا مجرد الإرادة إلا لله تعالى ، قال صلىاللهعليهوسلم فيما يرويه عن ربه عزوجل أنه قال الحديث وفيه ، وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه ، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته ، كنت له سمعا وبصرا ويدا ومؤيدا. وإذا كان الحق سمع العبد وقواه في النوافل ، فكيف بالحب الذي يكون من الحق بأداء الفرائض ، وهو أن يكون الحق يريد بإرادة هذا العبد المجتبى ، ويجعل له التحكم في العالم بما شاء بمشيئته تعالى الأولية التعلق ، التي بها وفقه ، واعلم أن الله عزوجل يعامل عباده بما يعاملونه به ، وإن كان ابتداء الأمر منه ، ولكن هكذا علّمنا وقرر لدينا ، فإنا لا ننسب إليه إلا ما نسبه إلى نفسه ، ومن ذلك قوله تعالى (إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ) وقوله صلىاللهعليهوسلم في الصحيح [إن الله لا يملّ حتى تملوا] فكل مخالف أمر الحق ، فإنه يستدعي بهذه المخالفة من الحق مخالفة غرضه ، ولذلك لا يكون العفو والتجاوز والمغفرة من الحق جزاء لمخالفة العبد في بعض العبيد ، وإنما يكون ذلك امتنانا من الله عليه ، فإن كان جزاء فهو جزاء لمن عفا عن عبد مثله وتجاوز ، وغفر لمن أساء إليه في دنياه ، فقام له الحق في تلك الصفة من العفو والصفح والتجاوز والمغفرة ، مثلا بمثل ، يدا بيد ، ها وها ، وما نهى الله عباده عن شيء إلا كان منه أبعد ، ولا أمرهم بكريم خلق إلا كان الحق به أحق ، ففي هذا النبأ الحق أنه يحب أتباعه ، وما يتبعه إلا من أطاعه ، واتباع الرسول اتباع الإله ، لأنه قال عزوجل (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً) فصلوا عليه وسلّموا تسليما ، ومحبة الإنسان المتبع محصورة بين حبين لله عزوجل ، حب ليس بجزاء حب عناية ؛ وهو المحبة التي وفقك بها للاتباع ، فهو حبّ منّة ، ثم يحبك حبّ جزاء على اتباعك من شرعه لك ، وهو حب كرامة ، فنحن مأمورون باتباعه صلىاللهعليهوسلم فيما سنّ وفرض ، فنجازى من الله فيما فرض جزاء فرضين : فرض الاتباع ، وفرض الفعل الذي وقع فيه الاتباع ، ونجازى فيما سنّ ولم يفرضه جزاء فرض واحد وسنة ، فرض الاتباع وسنة الفعل الذي لم يوجبه ، فإن حوى ذلك الفعل على فرائض ، جوزينا جزاء الفريضة بما فيه من الفرائض ،