آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ) الضمير يعود على آدم ، ووقع الشبه في خلقه من غير أب ، أي صفة نشئه صفة نشىء آدم ، إلا أن آدم خلقه من تراب (ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) فشبه الكامل وهو عيسى عليهالسلام بالكامل وهو آدم عليهالسلام من حيث خلقه بقوله كن ، فصفته صفة آدم في صدوره عن الأمر ، فأوقع التشبيه في عدم الأبوة الذكرانية ، من أجل أنه نصبه دليلا لعيسى في براءة أمه ، ولم يوقع التشبيه بحواء وإن كان الأمر عليه ، لكون المرأة محل التهمة لوجود الحمل ، إذ كانت محلا موضوعا للولادة ، وليس الرجل بمحل لذلك ، والمقصود من الدلالة ارتفاع الشكوك ، وفي حواء من آدم لا يقع الالتباس لكون آدم ليس محلا لما صدر عنه من الولادة ، وهذا لا يكون دليلا إلا عند من ثبت عنده وجود آدم وتكوينه والتكوين منه ، وكما لا يعهد ابن من غير أب ، كذلك لا يعهد من غير أم ، فالمثل من طريق المعنى أن عيسى كحواء ، ولكن لما كان الدخل يتطرق في ذلك من المنكر لكون الأنثى كما قلنا محلا لما صدر عنها ، ولذلك كانت التهمة ، كان التشبيه بآدم لحصول براءة مريم مما يمكن في العادة ، فظهور عيسى من مريم من غير أب كظهور حواء من آدم من غير أم ، فكما وجد أنثى من ذكر وجد ذكر من أنثى ، فختم بمثل ما به بدأ في إيجاد ابن من غير أب كما كانت حواء من غير أم ، ثم أن عيسى على ما قيل لم يلبث في بطن مريم لبث البنين المعتاد ، لأنه أسرع إليه التكوين لما أراد الله أن يجعله آية يردّ به على الطبيعيين ، حيث حكموا على الطبيعة بما أعطتهم من العادة ، لا بما تقتضيه مما أودع الله فيها من الأسرار والتكوينات العجيبة ـ الوجه الثاني ـ قوله تعالى (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ) هذا الاشتراك في الفردية ، غير أن جسد عيسى عليهالسلام أخلص ، ولهذا سماه روحا ، وسمى ذلك آدم من الأدمة ، فإنه مأخوذ من أديم الأرض ، وأين الأدمة من الصفاء النوراني ، ولهذا قال (خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ) ولم يقل «خلقهما» والضمير يعود على أقرب مذكور ، ومعنى الاشتراك في الفردية هو أن فردانية اللطيفة الإنسانية ثبتت له بتقدم الاثنين ، وهو تسوية البدن وتوجه الروح الكلي ، فظهرت النفس الجزئية التي هي اللطيفة الإنسانية فكانت فردا ، فظهرت الفردية في الأجسام الإنسانية في موضعين. في آدم عليه الصلاة والسلام (فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) ، وفي عيسى عليه الصلاة والسلام (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا) ولهذا قال تعالى (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ) ـ الوجه