الثالث ـ لما كان عيسى عليهالسلام هو الذي ستختم به الولاية المطلقة بنزوله ، نبه الله تعالى على ختمية الظهور به وتمام دورته بقوله سبحانه (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) فإن مماثلة عيسى لآدم عليهماالسلام ليست من قبل المادة في خلقه ، ولذلك عرف الله تعالى خلق آدم بأنه من تراب ، ولكن المماثلة في ختميته الظهور الآدمي النبوي ، كما كان آدم خاتم انبساط الظهور للعالم من الغيب إلى الشهادة ، وابتداء المرآة الكاملة الإنسانية ، فهو المطلع الأول الذي هو أول مظاهر الكمال في الخلافة الظاهرة ، ثم أخذ يترقى بسطا في ذريته ، كما كان بروز الظهور في الوجود وأحكامه بالتدريج من الغيب إلى الشهادة حتى انتهى إلى آدم عليهالسلام ، فلذلك أيضا كان يرتقي بسطا من آدم في ذريته حتى انتهى إلى عيسى ، فكان خاتما لظهور المرائي الإنسانية التي تنسبط بها التجلي ، الذي هو في مقابلة الغيب والشهادة ، وابتداء الرجوع إلى البطون ، فلذلك قال فيه (فَيَكُونُ) ولم يقل فكان ، لأنه تمام زوجية العالم ، فهو ينبسط فيمن بعده إلى تمام النسخة الآدمية.
(الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (٦٠) فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ (٦١) إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَما مِنْ إِلهٍ إِلاَّ اللهُ وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٦٢)
العبد المراقب ربه يعلم أن الله هو واضع الأشياء ، وهو الحكيم ، فما وضع شيئا إلا في موضعه ، ولا أنزله إلا منزلته ، فلا يعترض على الله فيما رتبه من الكائنات في العالم في كل وقت ، ولا يرجح نظره وفكره على حكمة ربه ، فيقول : لو كان كذا لكان أحسن ، فالله تعالى يعلم ما خلق ، فما رتب في الزمان إلا ما استحقه بخلقه ، فإنه أعطى كل شيء خلقه.