أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) (١٧٨)
وهذا من مكر الله الخفي بإرداف النعم على المخالف ، فيطيل لهم ليزدادوا إثما ، والإملاء بسط في العمر والدنيا ، فيتصرفون فيهما بما يكون فيه شقاؤهم ، قال تعالى : (وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) يقول يملي لهم مما هم فيه.
(ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (١٧٩)
(فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ) هذا الأمر من الحق تقرير لصحة ما نسب من الأفعال إلى العبد شرعا ، ولذلك قالوا : (رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ) فأضافوا الإيمان إليهم إيجادا (وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ). فاجعل أساس أمرك كله على الإيمان والتقوى حتى تبين لك الأمور ، فإنه ما ثمّ إلا الإيمان فلا تعدل عنه.
(وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (١٨٠)
(سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ) وذلك في حق مانع الزكاة ، قال عليهالسلام : [يمثل له ماله شجاعا أقرع ـ الحديث ـ] وفيه يقول : أنا كنزك ، فيطوق به (وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) والله تعالى ما يرث الأرض إلا بعد موت الإنسان الكامل ، فإن بيننا وبين الحق نسبا ودينا ، فلا يقع الميرات إلا في مستحق له ، كما يرث السماء لما فيها من حكم