يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً (٤٧) إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً) (٤٨)
الانتقام والأخذ ما هو بأولى من المغفرة إلا ما عيّن الله من صفة خاصة ، يستحق من مات وهي به قائمة المؤاخذة ولا بد ، وليس إلا الشرك وما عدا الشرك فإن الله أدخله في المشيئة ، فقال تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ). فهذه الآية ظاهرة في مؤاخذته تعالى أهل الشرك على القطع ، فهو ظاهر لقرينة الحال ، فجعل الله الشرك من الكبائر التي لا تغفر ، ولكن ما كل مشرك ، بل المشركون الذين بعثت إليهم الرسل أو لم يوفوا النظر حقه ولا اجتهدوا. فإن النبي صلىاللهعليهوسلم قد أخبر أن المجتهد وإن أخطأ فإنه مأجور ، ولم يعيّن فرعا من أصل بل عمّ ، وصدق قوله : (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) وأما قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) من طريق اللسان فهو الواقع ، فإن الله ما ستر الشرك على أهل الشرك بل ظهروا به ، فهو إخبار بما وقع في الوجود من ظهور الشرك ، وستر ما دون ذلك لمن يشاء أن يستر ، فإن ثم أمورا لم تظهر لعين ولا لعقل ، ولكن قرائن الأحوال تدلّ على القطع بمؤاخذة المشركين. ثم لم يذكر سبحانه ما هو الأمر عليه فيهم بعد المؤاخذة التي هي إقامة الحدّ عليهم في الآخرة يوم الدين الذي هو الجزاء ، فيدخلون النار مع بعض آلهتهم ليتحققوا مشاهدة أن تلك الآلهة لا تغني عنهم من الله شيئا ؛ لكونهم اتخذوها عن نظر لا عن وضع إلهي : (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً) فقد ظلم الشريك هذا الذي وضعه أو اتخذه إلها ، فلذلك قال تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) فإنها من حقوق الغير لا من حق الله. فإنه من كرم الله ما كان لله من حق على العبد وفرط فيه غفره الله له ، فإن الشرك من مظالم العباد ، فإن الشريك يأتي يوم القيامة من كوكب ونبات وحيوان وحجر وإنسان فيقول : يا رب سل هذا الذي جعلني إلها ووصفني بما لا