أمارة قوته ، كما قال تعالى (يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ) وأدنى وهو التقليد المحض ، والأعمال أيضا ثلاثة : خلافة معينة بقوله (وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ) وعبادة مرادة بقوله (إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وعمارة أرض كقوله تعالى (وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها) فهذه ستة ، وكل واحد منها صدوره إما أن يكون عن رغبة ورهبة أو عن إخلاص فهذه اثنتا عشرة ، وكل واحد منها إما يكون المؤمن في مبدئه أو في وسطه أو في منتهاه ، فإن كل فضيلة ورذيلة لا تنفك عنها ، فاثنتا عشرة في ثلاث صارت ستا وثلاثين ، وكل واحد منها إما أن يكون باجتباء وهبي ، وإما باهتداء كسبي ، فصارت اثنتين وسبعين شعبة من غير زيادة ونقصان ، هذا حاصل كلام الراغب رحمة الله تعالى ، وقد أجاد في هذا الحصر والتقسيم ، إلا أنه حمل البضع الذي هو العدد المجهول على الاثنين ، وقد اختلف في الاثنين هل هو من العدد أم لا ، على أن الأكثر مالوا إلى أن البضع لا يقع إلا على العدد المجهول من الثلاثة إلى التسعة ، فقد عين واختار أمرا مختلفا فيه ، وأيضا يصير الفرع على ما قرره أفضل وأعلى من الأصل ، ويلوح لي في هذا الحصر والتقسيم وجه آخر مناسب لأفضلية هذا القول وحمل البضع الوضع إجماعا ، وذلك أنا قد قررنا آنفا أن حقيقة الإيمان باطنا أمر وحداني غير قابل للتجزئة والقسمة والتشعب ، وإنما ينقسم من حيث ظاهره وصفاته ونعوته الظاهرة وذلك هو الإسلام وهو المعدى باللام ، وحسبت حروف البضع بحساب الجمل ، فرأيت أن دلالة لفظ البضع على عدد الثمانية أشد وأقوى من دلالتها على غير ذلك من الأعداد فحملناه ههنا على ذلك ، فانحصرت شعب الإيمان وانقسمت على ثمان وسبعين شعبة ، ووجه ذلك أن كل ما يصدر من ظاهر نفس الإنسان من حيث قواها وآلاتها ، التي تصلح إضافة العمل إليها مبنيا على نية منتشئة من أصل الإيمان وماهيته ، التي بسراية تلك النية يقع ذلك التصادر في معرض المجازاة شرعا ، ينقسم ثلاثة أقسام : أحدها قولي محض ، مثل قول (لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) مثلا. ثانيها عملي محض كالجهاد والزكاة. وثالثها متركب منهما كالصلاة ، ثم إن العملي إما أن يكون باجتماع القوى والآلات ، أو بتفرد كل قوة وآلة بما يخصه من العمل ، فالقولي وحده والمتركب منه ومن العملي والمتركب من العمليات ثلاثة أقسام ، وبقي ما تفرد
____________________________________
مجملا ومفصلا ، مثل (فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر) ومثل قوله