الاشتراك ، وما ثمّ عقل يدل على خلاف هذا ولا خبر إلهي في شريعة تخلص الفعل من جميع الجهات إلى أحد الجانبين ، فلنقره كما أقره الله على علم الله فيه ، وما ثمّ إلا كشف وشرع وعقل ، وهذه الثلاثة ما خلصت شيئا ولا يخلص أبدا دنيا ولا آخرة. فالأمر في نفسه والله أعلم ما هو إلا كما وقع ، ما يقع فيه تخليص ، لأنه في نفسه غير مخلص ، إذ لو كان في نفسه مخلصا ، لا بد أن كان يظهر عليه بعض هذه الطوائف ؛ ولا يتمكن لنا أن نقول : الكل على خطأ ، فإن في الكل الشرائع الإلهية ، ونسبة الخطأ إليها محال ، وما يخبر بالأشياء على ما هي عليه إلا الله ، وقد أخبر ، فما هو الأمر إلا كما أخبر ، لأن مرجوع الكل إليه ، فما خلص فهو مخلص ، وما لم يخلص فما هو في نفسه مخلص ، فاتفق الحق والعالم جميعه في هذه المسئلة على الاشتراك ، وهو موضع الحيرة فلا يرجح. ولما كان المتكلمون في هذا الشأن على قسمين : الواحد أضاف الأفعال كلها إلى الأكوان ، فقال لسان الغيرة الإلهية (كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً) أي حادثا ، وأما القسم الثاني فأضاف الأفعال الحسنة كلها إلى الله وأضاف الأفعال القبيحة إلى الأكوان ، فقال لسان الجود الإلهي (قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ) لا تكذيبا لهم بل ثناء جميلا ، وما ثمّ من قال إن الأفعال كلها لله ولا إلى الأكوان من غير رائحة اشتراك ، فمن السعادة أن يستعمل الإنسان الحضور مع الله في جميع حركاته وسكناته ، وأن تكون مشاهدة نسبة الأفعال إلى الله تعالى من حيث الإيجاد والارتباط المحمود منها ، وأما الارتباط المذموم منها فإن نسبه إلى الله ، فقد أساء الأدب ، وجهل علم التكليف وبمن تعلق ، ومن المكلف الذي قيل له افعل ، إذ لو لم يكن للمكلّف نسبة إلى الفعل بوجه ما ، لما قيل له افعل ، وليس متعلقها الإرادة كالقائلين بالكسب ، وإنما هو سبب اقتداري لطيف مدرج في الاقتدار الإلهي ، الذي يعطيه الدليل ، كاندراج نور الكواكب في نور الشمس ، فتعلم بالدليل أن للكواكب نورا منبسطا على الأرض ، لكن ما ندركه حسا لسلطان نور الشمس ، كما يعطي الحس في أفعال العباد أن الفعل لهم حسا وشرعا ، وأن الاقتدار الإلهي مندرج فيه ، يدركه العقل ولا يدركه الحس ، كاندراج نور الشمس في نور الكواكب ، فإن نور الكواكب هو عين نور الشمس ، والكواكب لها مجلى ، فالنور كله للشمس ، والحسّ يجعل النور للكواكب ، فيقول اندرج نور الكواكب في نور الشمس ، وعلى الحقيقة ما ثم إلا نور الشمس ، فاندرج نوره في نفسه إذ لم يكن ثمّ نور