فالصدق متعلقه الخبر ، ومحله الصادق ، وليس بصفة لأصحاب الأدلة العلماء الذين آمنوا بما أعطتهم الآيات والمعجزات من الدلالة على صدق دعواه فذلك علم ، والصدق نور يظهر على قلب العبد ، يصدق به هذا المخبر ، ويكشف بذلك النور أنه صدق ، ويرجع عنه برجوع المخبر ، لأن النور يتبع المخبر حيث مشى ، والمصدق بالدليل ليس هذا حكمه ، إن رجع المخبر لم يرجع لرجوعه ، فالمؤمنون على قسمين : مؤمن عن نظر واستدلال وبرهان ، فهذا لا يوثق بإيمانه ولا يخالط نوره بشاشة القلوب ، فإن صاحبه لا ينظر إليه إلا من خلف حجاب دليله ، وما من دليل لأصحاب النظر إلا وهو معرض للدخل فيه والقدح ولو بعد حين ، فلا يمكن لصاحب البرهان أن يخالط الإيمان بشاشة قلبه وهذا الحجاب بينه وبينه ، والمؤمن الآخر الذي كان برهانه عين حصول الإيمان في قلبه لا أمر آخر. ثم إن المؤمن على نوعين : مؤمن له عين فيه نور ، بذلك العين إذا اجتمع بنور الإيمان أدرك المغيبات التي متعلقها الإيمان ، ومؤمن ما لعينه سوى نور الإيمان ، فنظر إليه به ونظر إلى غيره به ، فالأول يمكن أن يقوم بعينه أمر يزيل عنه النور الذي إذا اجتمع بنور الإيمان أدرك الأمور التي ألزمه الإيمان القول بها ، وهو المؤمن الذي لا دليل له وينظر الأشياء بذاته ، فيدخله الشك ممن يشككه فإن فطرته تعطي النظر في الأدلة ، إلا أنه لم ينظر فإذا نبّه تنبه ، فمثل هذا إن لم يسرع إليه الذوق وإلا خيف عليه ، والمؤمن الآخر هو بمنزلة الجسد الذي قد تسوت بنيته ، واستوت آلات قواه ، وتركبت طبقات عينه ، غير أنه ما نفخ فيه الروح فلا نور لعينه ، فإذا كان الإنسان بهذه المثابة من الطمس ، فنفخ فيه روح الإيمان ، فأبصرت عينه بنور الإيمان الأشياء ، فلا يتمكن له إدخال الشكوك عليه جملة ورأسا ، فإنه ما لعينه نور سوى نور الإيمان ، والضد لا يقبل الضد ، فما له نور في عينه يقبل به الشك والقدح فيما يراه ، ومتى لم يكن الإيمان بهذه المثابة وإلا فقليل أن يجيء منه ما جاء من الأنبياء والأولياء من الصدق بالإلهيات ، فالفطر الذكية التي تقبل النظر في المعقولات من أكبر الموانع لحصول ما ينبغي
____________________________________
من قبيل الممكنات ، قوله (وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ) يقول : يتمون نشأتها كما أمروا بها ، والألف واللام للتعريف بالصلاة المشروعة لا اللغوية ، وإتمام نشأتها وكمال صورتها يختلف باختلاف الحالات ، يحصرها ثلاثة أحوال : الواحدة أن يصلي الرجل وحده فيتم ركوعها وسجودها وما تحوي عليه