ميراث محمد عليهالسلام ، ولذلك كان في ألواحه تفصيل كل شيء علم في مقابلة جوامع الكلم.
(رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً) (١٦٥)
اعلم يا ولي أن الله ما بعث الرسل سدى ، ولو استقلت العقول بأمور سعادتها ما احتاجت إلى الرسل ، وكان وجود الرسل عبثا. ولكن لما كان من استندنا إليه لا يشبهنا ولا نشبهه ولو أشبهنا عينا ما كان استنادنا إليه بأولى من استناده إلينا ، فعلمنا قطعا علما لا يدخله شبهة في هذا المقام ، أنه ليس مثلنا ، ولا تجمعنا حقيقة واحدة. فبالضرورة يجهل الإنسان مآله وإلى أين ينتقل وما سبب سعادته إن سعد أو شقاوته إن شقي عند هذا الذي استند إليه ، لأنه يجهل علم الله فيه ، لا يعرف ما يريد به ، ولا لماذا خلقه تعالى ، فافتقر بالضرورة إلى التعريف الإلهي بذلك ، فلو شاء تعالى عرّف كل شخص بأسباب سعادته ، وأبان له عن الطريق التي ينبغي له أن يسلك عليها ، ولكن ما شاء إلا أن يبعث في كل أمة رسولا من جنسها لا من غيرها ، قدمه عليها وأمرها باتباعه والدخول في طاعته ابتلاء منه لها لإقامة الحجة عليها لما سبق في علمه فيها ؛ ثمّ أيده بالبينة والآية على صدقه في رسالته التي جاء بها ليقوم له الحجة عليها. فأول ابتلاء ابتلى الله به خلقه بعث الرسل إليهم منهم لا من غيرهم ، فإن الرسل حجبة ، وحجبة الملك حجابه ليرى به بمن تتعلق أبصار الرعية ، هل بالحجبة أو تعديها بطلب رؤية الملك؟ فالحجبة ابتلاء من الله ، والرسل يدعون إلى الله لا إلى أنفسهم.
(لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) (١٦٦)
الإنزال عمل أوجده العلم ، فإن الله بكل شيء عليم فيعمل بما علم أنه يكون كونه ، وما علم أنه لا يكون لم يكونه فكان عمله بعلمه. والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا.