(يُخادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ) (٩)
(يُخادِعُونَ اللهَ) بجهلهم القائم بهم بأن الله لا يعلم (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ) في خداعهم الذين آمنوا ، فإن من خادع المؤمن فما خدع إلا نفسه ، وأما من يخادع الله فهو جاهل بالله حيث تخيل أنه يلبّس على الحق وأن الله لا يعلم كثيرا مما يعملون ، فهو من الخاسرين فإن الله هو خادعهم بخداعهم ، أي هو خداع الله بهم لكونهم اعتقدوا أنهم يخادعون الله ، فما يشعرون اليوم بأن الله يرد عليهم أعمالهم.
____________________________________
سبحانه سواء وحدوا أو أشركوا بقوله فيهم (١٠) (يُخادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا) وهذا وأيضا قوله (وَالَّذِينَ آمَنُوا) يقوي ما ذهبنا إليه في تفسير نفي الإيمان أنه الإيمان بوجود الله ، فيكون (يُخادِعُونَ اللهَ) على دعواكم أن ثم إلها (وَالَّذِينَ آمَنُوا) يخادعون حقيقة فإنهم موجودون ، ولا يبعد جميع ما ذكرناه ، فإن هؤلاء الأصناف كلهم موجودون ، وقد دخلوا فيمن بعث إليهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فإن رسالته عامة ، فينسحب الخطاب عليهم ، والخداع مأخوذ من المخدع ، فدخلوا فيه ليعصموا دماءهم وأموالهم لما رأوا دين الله ظاهرا ، فدل بقوله (يُخادِعُونَ اللهَ) على جهلهم بالله ، وصورة الجهل ، إن كان يعلم ما تلفظوا به من كلمتي الشهادة فهو يعلم ما في نفوسهم من عدم التصديق بها ، وإن كان لا يعلم عدم تصديقهم فلا يعلم أيضا أنهم تلفظوا بالشهادة ، والأظهر أن مخادعتهم لله على زعمكم أن ثم إلها ، فيبقى الخداع على الحقيقة للذين آمنوا ، الذين يخافون منهم أن يقتلوهم ، ولذلك قال (وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) أي أمثالهم ، مثل قوله (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ) ومثل قوله (كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ) يريد أمثالكم ، ويحتمل أن يريد بقوله (إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) أن يكون الخداع راجعا عليهم ، قال الله تعالى (يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ) ، أي خداعهم هو خداع الله بهم ، يؤيد ذلك قوله (وَما يَشْعُرُونَ) أي لا يتفطنون لذلك أنه من خداعنا بهم ، وأما قوله (يُخادِعُونَ اللهَ) ببنية المفاعلة لأن المخادعة فعل فاعلين ، وذلك أن من شرط الخداع أن لا يعلم به المخدوع ، والله بكل شيء عليم ، فقال تعالى (وَهُوَ خادِعُهُمْ) اسم فاعل من خدع ولم يقل مخادعهم ، فإنه يخدعهم حقيقة ، وهم لا يقدرون أن يخدعوه ، فلم تختلف القراءة في الأول واختلف في الثاني وهو قوله (وَما يَخْدَعُونَ) و (يُخادِعُونَ) فإن المفاعلة تصح منهم في جنسهم ، لكن العالم قد يصح أن ينخدع ، فهو منخدع ، بمعنى أن يظهر لهم أنه مخدوع ،