(فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ) (١٠)
(فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) شك مما جاءهم به رسولي ، وهذا المرض هو الشبه المضلة القادحة في الأدلة وفي الإيمان ، تحول بين العقل من العاقل وبين صحة الإيمان (فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً) شكا وحجابا (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) يوم القيامة ، وسمي ما يتألم به أهل الشقاء عذابا لأن السعداء يستعذبون آلام أهل الشقاء ، إيثارا لجناب الحق حيث أشركوا ، فلهم في أسباب الآلام نعيم ، فسمى الحق ذلك عذابا إيثارا لهم حين آثروه ، وقوله تعالى (أَلِيمٌ) اعلم أن قيام الألم ووجوده في نفس المتألم ، ما هو السبب المربوط به عادة ، كوجود الضرب بالسوط ، والحرق بالنار ، والجرح بالحديد ، وما أشبه ذلك من الآثار الحسية مما يكون عنها الآلام الحسية ، وكذلك ضياع المال ، والمصيبة في الأهل والولد ، والتوعد بالوعيد ، وجميع الأسباب الخارجة عنه الموجبة للآلام النفسية عادة ، إذا حصلت بهذا الشخص فتسمى هذه الأسباب عذابا ، وليس في الحقيقة عذابا ، وإنما العذاب هو وجود الألم عند هذه الأسباب ، لا عين الأسباب.
____________________________________
بعدم المؤاخذة في الحال ، فيتوهمون لحلمه أنهم خدوعه ، قوله (١١) (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ) يقول في قلوبهم مرض الجهل بالله ، فزادهم الله مرضا بإنزاله سور القرآن ، قال تعالى (فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ) كما قال في المؤمنين (زادَهُمْ هُدىً) و (زادتهم إيمانا وهم يستبشرون) وهؤلاء بذلك يتألمون ، والألم هو المرض عينه ، وهو أيضا قوله تعالى (وَإِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) وما قال : بالله ، أي انقبضت لما وجدت من ألم نسبة الوحدة لله في الألوهية ، ومما يدل على جهلهم بالتوحيد ، قوله (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ) فبعث الرسل للكفار زادهم مرضا ، لخطاب الوقت ، فزادهم ألما (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) أي موجع ، والألم هو العذاب نفسه ، وقد يطلق العذاب على سبب الألم ، كما أن النعيم إنما هو اللذة نفسها ، وقد يطلق على سببها المعهود ، وقوله تعالى (بِما كانُوا يَكْذِبُونَ) هذه باء السبب ، أي بسبب تكذيبهم ما جاء به محمد صلىاللهعليهوسلم من الخبر عنا ، فإن التكذيب متعلقه الخبر ، فهذا عذاب مخصوص من أجل صفة مخصوصة ، وما قال : ولهم عذاب أليم بمرضهم الأول والمزاد ، وجاء بلفظة العذاب ولم يكتف به حتى قال (أَلِيمٌ) وذلك