رجح منهم الضلالة على الهدى اشتروا (الضَّلالَةَ) فإنهم لم يكونوا يملكونها (بِالْهُدى) الذي ملكهم الله إياه (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) في ذلك الشراء لأن الله ما شرع لعباده الشراء فاعتبر الحق جانب البيع ولم يعتبر في حق المؤمن جانب الابتياع.
(مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ) (١٧)
ذهب الله بنوره أي أزاله عن أبصارهم أي أن الله أعدم النور من أبصارهم ، وتركهم
____________________________________
كان بأيديهم ، وما من هدى إلا وفي مقابلته ضلالة ، وهو تركه ، فجاء المؤمنون الذين بقوا على هداهم ، أو رجعوا إلى هداهم بإجابتهم دعوة الحق بلسان الرسول صلىاللهعليهوسلم حين دعاهم ، وجاء الذين لم يجيبوا داعي الله ، فأخذ المؤمنون هداهم وعوضهم عن ذلك الضلال الذي في مقابلة هداهم لو لم يهتدوا ، فضلّ هؤلاء الذين اشتروا الضلالة بما عوّضوا به زيادة على ضلالتهم ، قال تعالى (فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ) يعني هذه الصفقة ، وهي السورة المنزلة ، وازداد المؤمنون هدى إلى هداهم ، قال تعالى (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا) يعني بهداهم الذي كان لهم (زادَهُمْ هُدىً) وهو الهدى الذي باعه الكفار منهم ، فكان للمؤمنين نور على نور ، وكان للكافرين ظلمات بعضها فوق بعض ، فهم في ظلمات لا يبصرون ، والمؤمنون نورهم يسعى بين أيديهم ، فقال تعالى في صفة الكفار (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) أي خسروا في متجرهم لكونهم سفهاء ، وهو تأكيد لقوله تعالى (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ) وأي صفة أعظم من سفه تاجر لا يدري كيف يحفظ رأس ماله ، الذي هو الدين هنا ، قال تعالى (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) قيل وما هي؟ قال (تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ) فأبوا واختاروا العمى على الهدى ، واشتروا الكفر بالإيمان من المؤمنين ، ليزداد المؤمنون إيمانا مع إيمانهم ، قال تعالى (لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ) (يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ) ، فقوله (وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) هنا ، أي ما رشدوا ولا اتخذوا سبيل الرشد سبيلا ، ثم إن الله تعالى ضرب لنا فيهم إذا لقوا المؤمنين مثلا ، وضرب لنا مثلا آخر فيهم وفيما أنزل من القرآن ، فقال تعالى (١٨) (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ) هذا هو المثل الأول ، قوله (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ) أي صفتهم كصفة (الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً) ومنه (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ) أي صفة