(أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ) (١٩)
الصواعق هواء محترق ، والبروق هواء مشتعل تحدثه الحركة الشديدة ، والرعود هو هبوب الهواء تصدع أسفل السحاب إذا تراكم (وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ) وهي إحاطة عامة ، فهي الأخذ الكلي من غير تقييد بجهة خاصة ، لكن هو أخذ بتقييد صفة وهو الكفر.
____________________________________
لا ينظرون في الأشياء نظر اعتبار ، كما قال (وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) وقال تعالى (إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ) ، ثم قال (فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ) إلى طريق الهدى ، لأن الله ختم على قلوبهم وسمعهم وعلى أبصارهم ، قوله (٢٠) (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ) أتى بأو للتشكيك اتساعا ، فعدلوا بها عن الشك ، والأولى أن لا يعلل كلام العرب مثل هذا ، بل يقال : ترد في اللسان للشك ، وترد للتخيير ، وكلاهما لغة ، تقول جالس فلانا أو فلانا ، فمعناه انظر في هذا المثل إن شئت ، أو في هذا المثل إن شئت ، أو فيهما ، فالمشبّه الكتاب المذكور في أول السورة الذي أنزل إليه صلىاللهعليهوسلم ، والمشبّه به الصيّب ، الذي هو المطر المنحدر من السماء ، وهو السحاب هنا ، نزل به الروح الأمين على قلب محمد ، وشبّه القرآن في حياة القلوب به للمؤمنين بالمطر الذي به حياة الأرض ، ثم قال (فِيهِ) يعود الضمير على السماء وهو السحاب (ظُلُماتٍ) شبه بها ما يحوي عليه القرآن من الأخبار التي أخبر الحق بها عن الكفار من قولهم (إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ) و (نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) و (إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) و (يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ) فهذه الأقوال ظلمات القرآن (وَرَعْدٌ) ما فيه من الآيات الزواجر (وَبَرْقٌ) ما فيه من الآيات الدالة على التوحيد والتنزيه ، والذي وقع التشبيه بها هنا والله أعلم في البرق إنما هي آيات مكارم الأخلاق وصنائع المعروف التي هي محبوبة لكل نفس ، ولذا قال تعالى (كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ) والكافر لا تضيء له آية التوحيد حتى يمشي فيها ، وإنما ذلك آيات الوعد والرغبة ومكارم الأخلاق ، وقوله (يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ) من أجل سماع الآيات الزواجر ، جمع صاعقة أي سماع هذه الآيات يجعلهم يصعقون ويخافون الصعق لئلا يكون فيه موتهم ، أي تنصدع قلوبهم بما سمعوه ، كما اتفق لبعض زعماء المشركين وذلك أنه لما سمع النبي صلىاللهعليهوسلم يتلو (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ