أهل الجنة لخدمتهم ، وقضاء حوائجهم ، ولدان صغار الأسنان ، في غاية الحسن والبهاء. (كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ) ، أي : مستور ، لا يناله ما يغيره. مخلوقون للبقاء والخلد ، لا يهرمون ولا يتغيرون ، ولا يزيدون على أسنانهم ، ويدورون عليهم بآنية شرابهم (بِأَكْوابٍ) ، وهي الّتي لا عرى لها (وَأَبارِيقَ) الأواني الّتي لها عرى. (وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ) ، أي : من خمر لذيذ المشرب ، لا آفة فيه.
[١٩] (لا يُصَدَّعُونَ عَنْها) ، أي : لا تصدع رؤوسهم ، كما تصدع خمرة الدنيا رأس شاربها. (وَلا يُنْزِفُونَ) ، أي : لا تنزف عقولهم ، ولا تذهب أحلامهم منها ، كما يكون لخمر الدنيا. والحاصل : أن كلّ ما في الجنة من النعيم الموجود جنسه في الدنيا ، لا يوجد في الجنة فيه آفة كما قال تعالى : (فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى). وذكر هنا خمر الجنة ، ونفى عنها كلّ آفة توجد في الدنيا.
[٢٠] (وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ) (٢٠) ، أي : مهما تخيروا ، وراق في أعينهم ، واشتهته نفوسهم ، من أنواع الفواكه الشهية ، والجنى اللذيذ ، حصل لهم على أكمل وجه وأحسنه.
[٢١] (وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ) (٢١) ، أي : من كل صنف من الطيور يشتهونه ، ومن أي جنس من لحمه أرادوا ، إن شاءوا مشويا ، أو طبيخا ، أو غير ذلك.
[٢٢] (وَحُورٌ عِينٌ) (٢٢) ، أي : ولهم حور عين ، والحوراء : الّتي في عينها كحل وملاحة ، وحسن وبهاء ، والعين : واسعات الأعين حسانها ، وحسن عين الأنثى ، من أعظم الأدلة على حسنها وجمالها.
[٢٣] (كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ) (٢٣) ، أي : كأنهن اللؤلؤ الرطب الصافي البهي ، المستور عن الأعين والريح والشمس ، الذي يكون لونه من أحسن الألوان ، الذي لا عيب فيه بوجه من الوجوه ، فكذلك الحور العين ، لا عيب فيهن بوجه من الوجوه ، بل هن كاملات الأوصاف ، جميلات النعوت. فكل ما تأملته منها ، لم تجد فيه إلا ما يسر القلب ويروق الناظر ،
[٢٤] وذلك النعيم المعد لهم (جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٢٤) ، فكما حسنت منهم الأعمال ، أحسن الله لهم الجزاء ، ووفر لهم الفوز والنعيم.
[٢٥] (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً) (٢٥) ، أي : لا يسمعون في جنات النعيم ، كلاما يلغى ، ولا يكون فيه فائدة ، ولا كلاما يؤثمّ صاحبه.
[٢٦] (إِلَّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً) (٢٦) أي : إلا كلاما طيبا ، وذلك لأنها دار الطيبين ، ولا يكون فيها إلا كلّ طيب. وهذا دليل على حسن أدب أهل الجنة في خطابهم فيما بينهم ، وأنه أطيب كلام ، وأسره للقلوب ، وأسلمه من كلّ لغو وإثم ، نسأل الله من فضله : «أن يجعلنا من أهل الجنة».
[٢٧] ثمّ ذكر ما أعد لأصحاب اليمين ، فقال : (وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ) (٢٧) ، أي : شأنهم عظيم ، وحالهم جسيم.
[٢٨] (فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ) (٢٨) ، أي : مقطوع ما فيه من الشوك والأغصان الرديئة المضرة ، مجعول مكان ذلك الثمر الطيب. وللسدر من الخواص ، الظل الظليل ، وراحة الجسم فيه.
[٢٩] (وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ) (٢٩) ، والطلح معروف ، وهو شجر كبار ، يكون بالبادية ، تنضد أغصانه من الثمر اللذيذ الشهي.
[٣١] (وَماءٍ مَسْكُوبٍ) (٣١) ، أي : كثير من العيون والأنهار السارحة ، والمياه المتدفقة.
[٣٢ ـ ٣٣] (وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (٣٢) لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ) (٣٣) ، أي : ليست بمنزلة فاكهة الدنيا تنقطع في وقت من الأوقات ، وتكون ممتنعة ، أي : متعسرة على